Muhadarat Fi Lugha
المحاضرات في اللغة والأدب
وفي هذا إشارة إلى ما روي في حكمة آل داود ﵇: لا ينبغي للعاقل أن يخلي نفسه من أربع: عدة لمعاد، وإصلاح لمعاش، وفكر يقف به على ما يصلحه مما يفسده، ولذة في غير محرّم يستعين بها على الحالات الثلاث. وكان ﷺ يمزح ولا يقول إلاّ حقًا، وكان أصحابه يتناشدون ويفيضون في الأنساب وأيام الناس ولا ينكر عليهم، وذلك كله مشهور.
وقيل لسعيد بن المسيب: إن قومًا من " أهل " العراق لا يرون إنشاد الشعر فقال: نسكوا نسكًا أعجميًا.
وقيل لابن سيرين: إن قومًا يرون إنشاد الشعر ينقض الوضوء فأنشد:
لقد أصبحت عرْسُ الفرزدق ناشزًا ... ولو رضيت رمح أسته لاستقرت
ثم قام يصلي، وقيل بل أنشد:
نبئت أن فتاة كنت أخطبها ... عرقوبها مثل شهر الصوم في الطول
وقيل لأبي السائب المخزومي: أترى أحدًا لا يشتهي النسيب فقال: أما من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا.
وكان فضلاء هذه الأمة يروون الشعر ويقولونه أما النبي ﷺ فقد كان مصروفًا عنه قول الشعر سدًا للذريعة، وتنزيهًا عن النقيصة، ونفيًا للتهمة، قال الله تعالى:) وَمَا عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغي لَهُ (وأما غيره ﷺ فلا محذور عليه في إنشاد الشعر رواية وقولًا، فإن الشعر من جملة الكلام، نعم إذا كثر ذلك حتى ألهاه عن ذكر الله فهو مذموم، ولا خصوصية في هذا الشعر.
فمما يروى لأبي بكر ﵁ قوله:
تعدون قتلى في الحرام عظيمة ... وأعظم منه لو يرى الرشد راشد
صدودكم عما يقول محمد ... وكفر به والله راءٍ وشاهد
سقينا من ابن الحضرمي رماحنا ... بنخلة لما أوقد الحربَ واقد
ومما يروي لعمر ﵁ قوله:
لا شيء مما ترى تبقى بشاشته ... إلاّ الإله ويودي المال والولد
لم تُغْنِ عن هرمز يومًا خزانته ... والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا
ولا سليمان إذ تجري الرياح له ... والجن والإنس فيما بينها ترد
أين الملوك التي كانت نوافلها ... من كل أوب إليها وافد يفد
حوض هنلك مورد بلا كذب ... لا بد من ورده يومًا كما وردوا
ومما يروى لعثمان ﵁ قوله:
تفنى اللذاذة ممّن نال صفوتها ... من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عواقب سوء من مغبتها ... لا خير في لذة من بعدها النار
ومما ينسب إلى علي كرم الله وجهه:
محمد النبي أخي وصهري ... وحمزة سيد الشهداء عمّي
وجعفر الذي يمسي ويضحي ... يطير مع الملائكة ابن أمي
وبنت محمد سكَني وعرسي ... منوط لحمها بدمي ولحمي
وسبطا أحمد ولداي منها ... فمن هذا له سهم كسهمي
سبقتكم إلى الإسلام طرًا ... غلامًا ما بلغت حلْمي
وصليت الصلاة وكنت رِدْءًا ... فمن ذا يدعي يومًا كيومي
وأوجب لي الولاء معًا عليكم ... رسول الله يوم غدير خم
وغدير خم بضم الخاء موضع بين الحرمين.
ومن شعره أيضًا وقيل: لم يثبت عنه غيره:
تلكم قريش تمناني لتقتلني ... فلا وربث ما برّوا ولا ظفروا
فإن هلكت فرهن ذمتي لهم ... بذاتِ وَدْقَينِ لا يعفو لها أثر
وذات ودقين الداهية.
ومما يروى لعمر بن عبد العزيز ﵁ قوله:
إن كنت تعلم أن الله يا عمر ... يرى ويسمع ما تأتي وما تذر
وأنت غفلة عن ذاك تركب ما ... عنه نهاك فأين الخوف والحذر
فانظر لنفسك يا مسكين في مهل ... ما دام ينفعك التفكير والنظر
قف بالمقابر وانظر إن وقفت بها ... لله درك ماذا تستر الحُفَر
ففيهم لك يا مغرور موعظة ... وفيهم لك يا مغرور معتبر
فهؤلاء الأئمة المقتدى بأقوالهم وأفعالهم " وأحوالهم ".
وقد وقع ذلك لأكابر العلماء من أهل الدين كثيرًا شهيرًا، ومنهم من كان غزير المادة في الشعر مديد الباع فيه كعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ابن مسعود أحد الفقهاء السبعة بالمدينة حتى كان ابن المسيب إذا لقيه يقول له: مرحبًا بالفقيه الشاعر فيقول عبيد الله: لا بد للمصدور أن ينفث، فمن قوله:
كتمتَ الهوى حتى أضر بك الكتم ... ولامك أقوام ولومهم ظلم
1 / 99