Mugni al-Muhtag ila maʿrifat maʿani alfaz al-minhag
مغني المحتاج الى معرفة معاني ألفاظ المنهاج
Investigator
علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود
Publisher
دار الكتب العلمية
Edition Number
الأولى
Publication Year
1415 AH
Publisher Location
بيروت
Genres
Shafi'i Jurisprudence
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [الفرقان: ٤٨] يُشْتَرَطُ لِرَفْعِ الْحَدَثِ
ــ
[مغني المحتاج]
الْمَسْنُونَةَ وَنَحْوَهَا بِأَنَّهَا رَفْعُ حَدَثٍ أَوْ إزَالَةُ نَجَسٍ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُمَا وَعَلَى صُورَتِهِمَا. وَقَوْلُهُ: وَعَلَى صُورَتِهِمَا يُعْلَمُ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِمَا فِي مَعْنَاهُمَا مَا يُشَارِكُهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ وَلِهَذَا قَالَ: وَقَوْلُنَا أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُمَا أَرَدْنَا بِهِ التَّيَمُّمَ وَالْأَغْسَالَ الْمَسْنُونَةَ، وَتَجْدِيدَ الْوُضُوءِ، وَالْغَسْلَةَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ فِي الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ وَمَسْحَ الْأُذُنِ وَالْمَضْمَضَةَ وَنَحْوَهَا مِنْ نَوَافِلِ الطَّهَارَةِ، وَطَهَارَةَ الْمُسْتَحَاضَةِ وَسَلَسَ الْبَوْلِ اهـ.
قَالَ شَيْخُنَا: وَبِمَا تَقَرَّرَ انْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ بِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ مِنْ قِسْمِ الْأَفْعَالِ، وَالرَّفْعُ مِنْ قِسْمِهَا فَلَا تُعَرَّفُ بِهِ، وَبِأَنَّ مَا لَا يَرْفَعُ حَدَثًا وَلَا نَجَسًا لَيْسَ فِي مَعْنَى مَا يَرْفَعُهُمَا، وَبِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَا يَشْمَلُ الطَّهَارَةَ بِمَعْنَى الزَّوَالِ اهـ.
وَوَجْهُ انْدِفَاعِ هَذَا كَمَا قَالَ الْقَايَاتِيُّ أَنَّ التَّعْرِيفَ بِاعْتِبَارِ وَضْعٍ لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِعَدَمِ تَنَاوُلِهِ أَفْرَادَ وَضْعٍ آخَرَ. وَقَدَّمَ الْأَصْحَابُ الْعِبَادَاتِ عَلَى الْمُعَامَلَاتِ اهْتِمَامًا بِالْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ، وَالْمُعَامَلَاتِ عَلَى النِّكَاحِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ لِشِدَّةِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا، وَالْمُنَاكَحَةِ عَلَى الْجِنَايَاتِ؛ لِأَنَّهَا دُونَهَا فِي الْحَاجَةِ، وَأَخَّرُوا الْجِنَايَاتِ لِقِلَّةِ وُقُوعِهَا بِالنِّسْبَةِ لِمَا قَبْلَهَا. وَالطَّهَارَةُ فِي التَّرْجَمَةِ شَامِلَةٌ لِلْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَالتَّيَمُّمِ الْآتِيَةِ مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا، وَبَدَأَ بِبَيَانِ الْمَاءِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ فِي آلَتِهَا مُفْتَتِحًا بِآيَةٍ دَالَّةٍ عَلَيْهِ فَقَالَ: قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [الفرقان: ٤٨] [الْفُرْقَانُ] أَيْ مُطَهِّرًا وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْمُطْلَقِ، وَافْتَتَحَ بِهَذِهِ الْآيَةِ تَبَرُّكًا وَتَيَمُّنًا بِإِمَامِهِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، إذْ مِنْ عَادَتِهِ إذَا كَانَ فِي الْبَابِ آيَةٌ تَلَاهَا، أَوْ خَبَرٌ رَوَاهُ، أَوْ أَثَرٌ ذَكَرَهُ، ثُمَّ رَتَّبَ عَلَيْهِ مَسَائِلَ الْبَابِ وَتَبِعَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَاقِي الْأَبْوَابِ اخْتِصَارًا. وَإِنَّمَا كَانَ الْمَاءُ أَصْلًا فِي آلَتِهَا؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ آلَةٍ، وَتِلْكَ الْآلَةُ مِنْهَا أَصْلٌ، وَهُوَ الْمَاءُ. وَمِنْهَا بَدَلٌ وَهُوَ غَيْرُهُ كَالتُّرَابِ وَأَحْجَارِ الِاسْتِنْجَاءِ. فَإِنْ قِيلَ: الدَّلِيلُ يَكُونُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْمَدْلُولِ فَمَا بَالُهُ عَكَسَ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمْ يَسُقْهُ اسْتِدْلَالًا بَلْ تَبَرُّكًا وَتَيَمُّنًا كَمَا مَرَّ، وَبِأَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْكُلِّيَّةِ الْمُنْطَبِقَةِ عَلَى غَالِبِ مَسَائِلِ الْبَابِ، وَالدَّلِيلُ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ كَانَ تَقْدِيمُهُ أَوْلَى لِيَنْطَبِقَ عَلَى جُزْئِيَّاتِهِ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ [الأنفال: ١١] [الْأَنْفَالُ] مَعَ أَنَّهُ أَصَرْحُ فِي الدَّلَالَةِ كَمَا قِيلَ؟ . .
أُجِيبَ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ يُفِيدُ أَنَّ الطَّاهِرَ غَيْرُ الطَّهُورِ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ [المؤمنون: ١٨] [الْفُرْقَانُ] يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ طَاهِرًا؛ لِأَنَّ الْآيَةَ سِيقَتْ فِي مَعْرِضِ الِامْتِنَانِ: وَهُوَ تَعَالَى لَا يَمُنُّ بِنَجَسٍ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الطَّاهِرُ غَيْرَ الطَّهُورِ وَإِلَّا لَزِمَ التَّأْكِيدُ، وَالتَّأْسِيسُ أَوْلَى، وَهَلْ الْمُرَادُ بِالسَّمَاءِ فِي الْآيَةِ الْجِرْمُ الْمَعْهُودُ أَوْ السَّحَابُ؟ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي دَقَائِقِ الرَّوْضَةِ وَلَا مَانِعَ أَنْ يُنَزِّلَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا (يُشْتَرَطُ لِرَفْعِ الْحَدَثِ) وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: الشَّيْءُ الْحَادِثُ، وَفِي الشَّرْعِ يُطْلَقُ عَلَى أَمْرٍ اعْتِبَارِيٍّ يَقُومُ بِالْأَعْضَاءِ يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا مُرَخِّصَ. وَعَلَى الْأَسْبَابِ الَّتِي يَنْتَهِي بِهَا الطُّهْرُ، وَعَلَى الْمَنْعِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي لَا يَرْفَعُهُ إلَّا الْمَاءُ، بِخِلَافِ الْمَنْعِ؛ لِأَنَّهُ صِفَةُ الْأَمْرِ الِاعْتِبَارِيِّ فَهُوَ غَيْرُهُ، فَإِنَّ الْمَنْعَ هُوَ الْحُرْمَةُ: وَهِيَ تَرْتَفِعُ ارْتِفَاعًا مُقَيَّدًا بِنَحْوِ التَّيَمُّمِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. وَلَا فَرْقَ
1 / 115