Mughalatat Mantiqiyya
المغالطات المنطقية: فصول في المنطق غير الصوري
Genres
والآن إذا نحن ترجمنا المقدمة سنجد أن القائل لم يعد في حقيقة الأمر أن كرر الشيء نفسه مرتين: «من اللطف وحسن الخلق» تعني شيئا قريبا جدا من «مقبول أخلاقيا»، «تعين إنسانا آخر ... من خلال الموت» تعني «القتل الرحيم»، هكذا نجد أن الحجة لم تقدم لنا أسبابا عقلية تجعل القتل الرحيم مبررا أخلاقيا، وتترك السؤال لدى المتلقي مفتوحا: «حسن، لماذا إذن نعتقد أن القتل الرحيم جائز؟» (7)
الإجهاض هو القتل غير المبرر لكائن إنساني، وهو، من ثم، قتل، وما دام القتل جريمة نكراء، فالإجهاض جريمة في جميع الأحوال.
نحن أيضا لا نريد إباحة الإجهاض دون قيد أو شرط؛ غير أن الحجة السابقة تجعل النتيجة متضمنة سلفا في المقدمات، وتصادر منذ البداية بأن الإجهاض قتل غير مبرر دون أن تبين لنا لماذا كان ذلك. (1) الاستدلال الدائري
reasoning in a circle «هناك أحوال أخرى فيها لا يفترض مباشرة صحة المطلوب معبرا عنه في المقدمات بطريقة أخرى، وأما الذي يفترض فهو شيء تتوقف صحته على صحة النتيجة؛ أي لا يمكن البرهنة عليه إلا بالنتيجة فيكون هنا حينئذ دور
vicious circle »،
4
يمكن تجريد الصورة المنطقية لهذا الدور كالتالي: «أ» صادقة لأن «ب» صادقة. «ب» صادقة لأن «أ» صادقة.
نحن إذن بإزاء شكل من أشكال المصادرة على المطلوب يعتمد فيه صدق الدعوى المقدمة على دليل يعتمد بدوره على الدعوى ذاتها التي يفترض أن يبرهن عليها، وبذلك يدور البرهان في دائرة مغلقة وتعتمد كل قضية فيه على الأخرى.
وقد تطول سلسلة الدائرة أكثر من ذلك، بحيث تعتمد كل قضية على تاليتها، وتعتمد القضية الأخيرة بدورها على الأولى فتنغلق الدائرة، ولا يتوافر خارج السلسلة دليل مستقل عنها: «أ» صادقة لأن «ب» صادقة. «ب» ... ... «ج» ... «ج» ... ... «أ» ...
ويعد الاستدلال الدائري مغالطة لنفس السبب الذي يجعل المصادرة على المطلوب مغالطة: وهو أنه لا يقدم لنا دليلا مستقلا عن الدعوى ذاتها، وأنه يفشل في أن يربط لنا ما هو غير معروف أو غير مقبول بما هو معروف ومقبول، وفقا لقاعدة «الأصل في البرهان أن يكون أوضح وأوثق معرفة مما يراد البرهنة عليه»، وكل ما يفعله الاستدلال الدائري هو أنه يقدم لنا مجهولين (أو أكثر) كل منهما مشغول بتعقب ذيل الآخر! بحيث لا يتسنى له أبدا أن يصل نفسه بالواقع.
Unknown page