103

Mudkhal Kabir

Genres

فأما السودان والحبش فإنهم يسكنون في البلاد التي تحاذيها من البروج ما بين مدار الحمل إلى السرطان فلأن الشمس في صعودها وهبوطها إذا كانت في تلك البروج وتوسطت السماء تكون على سمت رؤوسهم فتسخن أهو يتهم وتحرقهم وتكثر الحرارة واليبس فيهم فلهذه العلة صارت ألوانهم سوداء وشعورهم قططة وأبدانهم يابسة نحيفة وطبائعهم حارة وكذلك يكون دوابهم وأشجارهم ومن أخلاق أهل هذه الناحية الخفة وقلة الذكاء وأما القوم الذين هم متباعدون عن مدار رأس السرطان إلى الشمال وذلك مثل بابل ونحوه من البلدان فلأن الشمس لا تبعد من سمت رؤوسهم ولا تقرب منهم ولكن ممرها يعتدل عليهم فإن هوائهم حسن المزاج وموضعهم معتدل ليس فيه حر شديد ولا برد شديد وألوانهم وأبدانهم وطبائعهم معتدلة وعقولهم وأخلاقهم حسنة وكثر فيهم العلم والذكاء وتقدمة المعرفة بالأشياء ومحاسن الأخلاق وهذه أرض العلماء والنبيين

والاختلاف فيما بين كل موضع من هذه المواضع التي ذكرناها بالأجسام والصور والألوان والعلوم والعقول والأخلاق متبا ين متباعد الشبه لاختلاف مواضعهم من مدار الشمس ولاختلاف أزمان السنة وتغييرها عليهم وكما اختلفت هذه المواضع التي ذكرناها وصار لكل موضع منها خاصية ليست لغيرها فكذلك كل مدينة من المدن وكل موضع من المواضع التي لم نذكرها لها ولأهلها خاصية وطبيعة في اختلاف صور الناس وما يكون فيها من الحيوان والنبات والمعادن والحر والبرد والمياه والعيون والملل والسنن والزي والأخلاق وسائر الأشياء ليس لغيرها من المدن وذلك موجود ظاهر في المواضع والأمصار حتى أنه ليوجد الاختلاف في المواضع القريبة بعضها من بعض وإنما يكون ذلك على قدر قرب الشمس أو بعدها عنهم في مدارها ومن مدار الكواكب الثابتة على سمت رؤوسهم إلا أن هذه الخاصيات الموجودة التي ذكرنا إنها لكل مدينة وموضع في شيء من الأشياء فإنها وإن كانت دائمة الوجود بجواهرها فإنا قد نجدها تتغير في كل سنة إلى الزيادة والنقصان فعلمنا أن ذلك التغيير ليس من خاصية مدار الشمس ولا من مسامتة الكواكب الثابتة لتلك المواضع ولكنه من مقارنة الشمس في مسيرها للكواكب الثابتة والمتحيرة ومن ممازجة الكواكب المتحيرة في انتقالها في البروج للكواكب الثابتة المسامتة لتلك المواضع

Page 254