كانت الرغبة متجهة إلى اختياري لتأليف الوزارة على أثر إقالة النحاس باشا في يوليو سنة 1928، وخوطبت في ذلك خطابا شبه رسمي، وتهيأت لتأليفها، بل وضعت أسماء الوزراء الذين وقع عليهم اختياري ليتعاونوا معي، وكان المندوب السامي البريطاني في ذلك الحين هو اللورد جورج لويد، وكان من الطبيعي أن يكون أميل إلى شخص تربى في إنجلترا كمحمد محمود باشا بتأثير البيئة العلمية الواحدة، والمدرسة الإنجليزية الواحدة، وقد أدت المشاورات العليا إلى اختيار محمد محمود باشا لتأليف الوزارة.
وفي مساء 26 يوليو من تلك السنة، بينما كنت منتظرا في بيتي الدعوة إلى القصر خوطبت بالتليفون بالقرار الجديد.
جاءت وزارة محمد محمود باشا، وكان هدفها أن تقضي على الأوتوقراطية البرلمانية، التي أتاحها دستور سنة 1923 بطغيان الأكثرية على الأقلية، فاستقر الرأي عندها على أن تؤجل الحياة النيابية، وتوقف الدستور ثلاث سنوات قابلة للتجديد، فأصبحت البلاد بذلك تحكم حكما غير برلماني. •••
لم تعمر وزارة محمد محمود باشا طويلا، فقد استقالت في أكتوبر سنة 1929، وخلفتها وزارة المرحوم عدلي يكن باشا الثالثة، وكانت وزارة انتقال أعقبتها وزارة النحاس باشا، ولكن هذه الوزارة لم تلبث غير خمسة أشهر و18 يوما، واستقالت في يونيو سنة 1930 على أثر عدم نجاحها في مفاوضات هندرسون.
شروطي لتأليف الوزارة
كان اللورد جورج لويد قد نقل إلى إنجلترا، وحل محله في مصر سير برسي لورين، وكان المندوب السامي الجديد يختلف عن سلفه بأنه سياسي ممتاز بالمرونة ... وفي اليوم الذي استقالت فيه وزارة النحاس باشا قابلني زكي الإبراشي باشا في نادي محمد علي، ونقل لي رغبة الملك فؤاد في دعوتي لتأليف الوزارة الجديدة، فرجوته أن يبلغ جلالته ما يأتي:
إنني أفخر بثقة جلالته بي، ولكني أود أن أخبره أنه إذا تم اختياري لهذا المركز الخطير، فستكون سياستي أن أمحو الماضي بما له وما عليه، وأن أنظم الحياة النيابية تنظيما جديدا يتفق ورأيي في الدستور واستقرار الحكم.
فنقل زكي الإبراشي باشا ذلك إلى جلالة الملك، ثم عاد فأبلغني ارتياح جلالته إلى هذه السياسة، وتم تعييني لتأليف الوزارة، فأخذت في اختيار زملائي، وخاطبت بعض أصدقائي من المستقلين والأحرار الدستوريين، وحزب الاتحاد، وكنت أنتظر من الأحرار الدستوريين أن يتعاونوا معي، فرفض محمد محمود باشا، فذهبت إليه أنا وعلي ماهر باشا، وتحدثت معه في ذلك، وأفضيت إليه بأنني جئت لنفس الغرض الذي ألف هو وزارته من أجله سنة 1928 مع اختلاف في الطريقة والأسلوب، وعاهدته أمام بعض زملائنا على أن أترك الحكم بعد أداء رسالتي، وتحقيق هذا الغرض، وقلت له بالنص:
إني عابر سبيل، ومتى انتهت مهمتي في القضاء على الفوضى تخليت عن الوزارة.
فأصر محمد محمود على موقفه، وأبى أن يتعاون معي، فسمحت لنفسي أن أتجه إلى بعض رجاله، فانضم إلي منهم حافظ عفيفي باشا مستقلا عن الأحزاب، وتألفت وزارتي في 19 يونيو سنة 1930 مني للرياسة والداخلية والمالية، ومن حضرات الآتية أسماؤهم: «محمد توفيق رفعت باشا للحربية والبحرية» و«عبد الفتاح يحيى باشا للحقانية» و«حافظ حسن باشا للأشغال والزراعة» و«علي ماهر باشا للمعارف العمومية» و«محمد حلمي عيسى باشا للأوقاف» و«حافظ عفيفي باشا للخارجية».
Unknown page