صلى الله عليه وسلم .
ما أعظم ذلك الموقف، والمرء مستقبل المواجهة الشريفة يقول: «السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا حبيب الله، السلام عليك يا خير خلق الله، جزاك الله عنا خير الجزاء، لقد بلغت عن ربك الحق وأديت الرسالة، وجاهدت في الله حق جهاده، وكنت بالمؤمنين رحيما» ... وليخسأ ابن عبد الوهاب ومن تابعه، فأين الشرك في من يقر برسالته
صلى الله عليه وسلم ، ويشهد بأنه عبد الله ورسوله، ويقول بأنه بلغ عن الله ما أمر به
صلى الله عليه وسلم ؟!
وبعد إقامة ثلاثة أيام سافر المحمل، وأميره ناصر بن علي، بالسكة الحديدية إلى الشام. ولقد كنت معه أيضا. وفي صباح الغد من سفرنا، بلغنا تبوك، ونزلنا جميعا إلى الحجر الصحي الاحتياطي لمدة سبعين ساعة. أما تبوك فهي في حماد من الأرض، أي مكسوة بقطع الصوان وأحجار متكسرة، بها عين ونخيل، والجبال غربيها، فاقمنا مدة الحجر في الأرض المخصصة للحجر، وهي مربعة محددة بقضبان من حديد، مجهزة بأسلاك شائكة، ولها أبواب، وبها قساطل للماء الجاري لها حنفيات يجري منها الماء، يخصص كل مربع لعدد معين من الخيام، ويمنع الاختلاط حتى تتم المدة. وهنالك ثلاثة أجهزة للتعقيم في مبان مخصوصة، تعقم بها أمتعة الحجاج وملابسهم. وكانت ليالي تبوك باردة، والموسم أواخر كانون الأول، والنهار بارد أيضا.
وبينما كنا به وردت برقية من ناظم باشا والي الشام إلى المرحوم العم، يقول فيها إنه متغيب وإنه سيبعث بمدير أوراق الولاية أو سكرتيرها - على لغة اليوم - لاستلام المحمل والركب. فأجابه بأنه هو بذاته الذي سيوصل الحاج إلى الشام. ووردت برقية من المرحوم عطا باشا البكري يدعونا بها إلى النزول في داره. ولم يبق عين من أعيان الشام إلا ودعانا إلى النزول عنده. وكان البكري هو السابق فأجيب بالقبول.
ولما وصل القطار إلى محطة القدم كان الشام كله هناك، فخرجنا من القطار واستلم الوالي المحمل، وهيئت لنا من الخيل آصلها وأفرهها، فسرنا ثم وصلنا إلى مكان به جماعة عظيمة من المستقبلين، وقد هيأوا خيمة كبيرة، فترجلنا، فخطب الخطباء مرحبين، وكانت قصائد ترحيبية يتقدم بها شعراء بلغاء، فشكرهم العم المرحوم بما يقتضي. ثم امتطينا ركائبنا فزرنا الوالي بدار الحكومة، ومن هنالك إلى دار البكري، وأكرم به من مضيف كريم قام بالواجب وزيادة. وكانت إقامتنا بالشام سبعة أيام، ندعى فيها من بيت كريم إلى بيت كريم، إما لغداء أو لعشاء.
ومن الغريب تلك النشرات التي وزعها عبد الرحمن باشا اليوسف، وأثبت بذلك نفسيته وما في قرارة ذاته. ففي نشرة موجهة للوالد المرحوم، يقول فيها في أبيات يقول في أحدها:
إن كنت تبغي ملك مكة فاعلمن
أن المليك بها هو الدستور
Unknown page