ثم رجعت أدراجي والطريق لا يزال خلاء لا يمر به إلا قليلون ... وصلت مرة أخرى إلى القنطرة التي تفصل القرية التي قابلت فيها الغلام الأصم عن البحر، واستوقفني مرة أخرى خادم القنطرة ليعطيني تذكرة أدفع له قيمتها بنسا.
في إنكلترا يجعلون الناس يدفعون بنسا أجر جواز القنطرة في حين يمن علينا الإنجليز في مصر بأنهم رفعوا ضرائب جواز القناطر، ويعدون ذلك مفخرة من عظيم أعمالهم عندنا.
وصلت بريتن الساعة الخامسة ونصف مساء، فرددت دراجتي وملت إلى محل شاي أخذت فيه الشاي ثم رحت إلى المصور الذي أعرف، فاستظهرنا الصورة التي أخذت، ولكني لم أجد وقتا كافيا أطبعها فيه على الورق، وعلى هذا وضعتها مع الأشياء والألواح الأخرى في صندوق منتظرا يوما أستقر فيه، وسافرت من بريتن عند ذلك اليوم، فلما كنت في باريس، وفتشت عن صورة ورذنج إذا اللوح مكسور ولا ينتفع به.
المتحف الوطني
The National Gallery : زرت هذا المكان في لندرة مرتين، وها مر على ذلك زمن طويل ولا تزال ذكراه حاضرة عندي وإحدى غرفه مرسومة أمام ذهني لا تغيب، وأعرف مواضع الكثير من صورها وأشكال تلك الصور، تلك هي الغرفة التي فيها صور جماعة الكتاب والشعراء والفلاسفة، الغرفة التي تجد على جدرانها بيرن وشلي وكلردج ودارون وسبنسر، الغرفة الفنية إذا دخلتها أحسست كأنك وسط العظمة والعظماء وتجسمت في نفسك هيبة للمكان، ورضيت أمامهم بأن تكون التلميذ الصامت تسمع ما توحي به نفوسهم، ثم يذهب بك خيالك في هذا العالم فتذكر لكل منهم اسم بعض الشيء مما تعرف: لبيرن شعره الرقيق ورقته، ولشلي وصفه الناطق وقصائده العذبة، وتذكر لدارون مذهبه الكبير وسياحاته، ولسنبسر كتبه وفلسفته الهائلة، ولكأن شكل كل منهم يوحي بمعنى ما كتب، فترى في وجه بيرن وفي لباسه ما ينطق رقة ولطفا، وفي شكل شلي وعيونه البراقة وصدره المفتوح ما ينم عما تحويه روحه من الشعر، كما أن على الآخرين معنى التفكير العميق والتدقيق الشديد.
ثم إذا صعدت إلى أعلى المكان ودخلت إلى آخر غرفه - الغرفة القائم على جدارها صورة وليم بت - رأيت هناك صورة مدام هملتن، صورة بديعة وجمال ناطق وسيدة أبدع ما ترى من السيدات.
الفصل السادس
في سويسرا
بعد إذا قضيت حوالي الشهرين في إنكلترا سافرت منها قاصدا جنيف.
ولكن وجود صديقي ب. بباريس جعلني أعرج عليها وأقضي بها أربعة أيام ذكرتني أيامنا القديمة حين كنا لا نفترق.
Unknown page