وختم كلمته بأن أشار إلى نص القانون الذي يحرم على رجل التعرض لحكم صادر، وذلك بمناسبة الحكم على هرفييه لتصديه في جريدته للتعريض بنص القانون، والحكم على أحد مجرمي باريس لأنه ضرب جنديا فقتله، اعتبر فرانس كل قانون يحد من حرية إبداء الرأي قانونا مجرما، وقرر أنه مهما حوت الكتابة مما يضاد عاداتنا ومعتقداتنا فالواجب أن تبقى حرة إلى أقصى درجات الحرية.
اختتم الرجل بذلك كلامه، وأراني أوافقه على آرائه كلها بنفس السرور الذي أجده في قراءة كتبه.
8 يونيه
أخي عطية:
انتهيت اليوم من امتحاني الأول للدكتوراه، ورجعت بذلك إلي حريتي، وملكت وقتي بعد أن ملكته علي المراجعة والمذاكرة مدة من الزمن، ولقد دخلته وأنا أخلى الناس بالا وأقلهم بنتيجته اهتماما، ولم أحسب حسابا لشيء أكثر من أني مسافر غدا للندرة فالأحسن أن أذهب إليها مسرورا.
في هذه المدة التي كنت أحضر فيها لامتحاني كنت أبعد الناس عن أن أفكر في الخارج وما فيه من اللذة، وأنت تعلم شديد حاجة الإنسان إلى ما يروضه حين ينهال عليه العمل فيثقل كاهله، ولقد كان ذلك أشد على نفسي حين كنت أرى من نافذتي أشجار حديقة صغيرة إلى جانب بيتنا تورق وتينع، فإذا نزلت قابلتني اللكسمبور في أبهى أيام عرسها زاهرة ناضرة، كل شيء فيها باسم وضاح الجبين، وعلى رأس كل شجرة تاج من الزهر أبهى من تاج العروس، ولكني تعزيت هذه المدة بحادثة بسيطة لذيذة عوضتني ذكراها عن الرياضة والنزهة، وصرفتني لعملي عن كل شيء.
أحسبني أخبرتك قبل اليوم أن بيتنا مؤلف من أربعة أشخاص، ربة البيت والمسيو ج. ب. وشاب فرنساوي في التاسعة عشرة من عمره وأنا، ولقد بقينا كذلك طوال عامنا إلا العشرة أو الاثني عشر يوما الأولى من مايو، حيث جاءت فيها إلى الجمع غادة كندية بنت سبعة عشر، كاملة التكوين، فأضافت إلى نضرة الربيع القادم وبعثت إلى وحدتنا نحن الأربع روحا جديدة شابة فياضة ربما كنت أنا أكثر الناس إحساسا بوجودها.
هذه الغادة هي مس بياتركس.
حضرت مس بياتركس إلينا أوائل أيام الربيع ذات ليلة ونحن جميعا صمت مشتتون في الصالون، ودخلت مع أمها حوالي الساعة العاشرة وعلى رأسها قبعة إنكليزية غطت بعض الشيء عيونها، وظهر من تحتها خدودها المتوردة الزاهرة.
فلما جلستا استأذنت وصاحبي الشاب وذهبنا إلى مضاجعنا، ولم ينس أن يغمزني في الطريق: أليست جميلة صاحبتنا القادمة؟
Unknown page