130

Mudhakkirat Shabab

مذكرات الشباب

Genres

هذه اللغة البديعة يحس الإنسان فيها بعظمة العصر كله وتترك في الذهن هذا الأثر الباقي الذي يخلده في نفوسنا منظر وحيد الجمال، ومهما اعتبر الإنسان أفكار كتابها وبأي عين نظر لها؛ فإنه لا يستطيع دون الاعتراف بأنها لبست أحلى الكلمات وأغناها، لا تجد لفظا معقدا ولا لفظا مبتذلا، وتراكيب منسجمة تسري إلى الفؤاد وتسبق إلى الذهن وتسيل في أجزاء النفس.

اقرأ أندوماك، اقرأ برنيس، اقرأ هوراس، اقرأ ما شئت من هذه الكتب (الكلاسيك) آيات الجمال في الكتابة وأنا الضمين أنك ستخرج منها بهذا الإحساس الذي قدمت لك.

يختلف راسين عن كورني في طريقة كتابته، فأولهما إنسان دقيق الإحساس ضعيف القلب يعجز أمام العواطف القوية فلا يستطيع مصادمتها ولا مقاومتها، بل هي تحتله وتسلبه إرادته وتتصرف فيه بما تشاء وتدفعه إلى أقصى درجات الجنون واليأس، وتصل به أغلب الأحيان إلى الموت، هذه هي صفته الظاهرة في كتاباته، كلما وضع القلب في كفة والعقل في أخرى رجحت كفة القلب وغلبت الثانية بشكل عجيب.

أما الثاني فهو رجل الواجب، ومهما كانت العواطف تهيج صدور أبطاله فإنهم دائما يخمدون نارها ويتغلبون عليها ويعملون الواجب الذي يعمله شخص لا حرب في نفسه بين الإحساس والواجب.

يختلف عن هذين الشاعرين الخياليين الروائي الهزلي موليير؛ فإنه يضع في رواياته أشخاصا مما نرى في الحياة إلى حد كبير وإن كان يبالغ في تصويرهم، وتراه دائما يعارض شخصا بآخر وعاطفة بأخرى في شخصين مختلفين، ولا ينسى الحياة وما فيها من صغائر الأمور، ويذكر ذلك كله بلغة سهلة ضاحكة جميلة أجذب ما يكون للنفس، وهو في ذلك أعرق في فرنساويته أو بالأحرى في باريسيته من كل شاعر آخر من شعراء عصره يستخف بالحياة ويتلاعب في روايته بأبطاله ويضحك معهم ومنهم، ويظهر لنا من وقت لآخر بواطن أنفسهم، ويأتي وسط ذلك كله بعض الأحيان بحكمة خالدة باقية على الدهر بقاء الدهر، ورواية (الميزانترب

Le Misanthrope

أو الطيرة) من أبدع رواياته، لكنه كان يصل أحيانا بالهزل والضحك إلى حد من المبالغة يكاد يكون سخيفا، فلقد مثل لنا في رواية (بورجوا جنتيم)

Le Bourgeois Gentilhomme

قنصل تركيا تمثيلا وصل في الإفراط إلى حد الفظاعة، وليس من شخص يرى الفصل الأخير من هذه الرواية وما حواه من السخافات إلا ويضحك ساخرا منه، وإذا كان يعتذر عنه أحيانا بأنه إنما فعل ذلك لغرض فليس العذر إلا بأقبح من الذنب، وهذه المبالغة نفسها في التمثيل لا تدعو للطمأنينة للمؤلف.

ولو لم يكن هذا العيب عند موليير لكان الشاعر المجلي بين شعراء فرنسا أجمع، بل وربما كان من أشعر شعراء العالم، وإن له أغلب الأحيان لدقة في ملاحظة الناس والأشياء حتى ليكاد يخترق بواطن ما تخفي نفوسهم ليظهره لنا على الورق، ثم هو يضحك مما يرى لأنه لا يرى في العالم شيئا يستحق الإعجاب به أو التعصب له، أو بكلمة أخرى إن هذه الحياة التي يهتم الناس بها ويعنون بها إنما هي مجموعة سخرية من كل إنسان بالآخرين يأتيها أحيانا من غير إحساس منه بها ويستحق من أجل ذلك أن يسخر منه.

Unknown page