وأومأ المستر طبمن إيماءة توحي بأن سؤاله يراد به «راشل» الخائبة الأمل.
ومضى الشيخ يقول: «أوه، لقد ذهبت، وهي اليوم تقيم عند قريب لها يقطن موضعا بعيدا؛ لأنها لم تطق لقاء ابنتي، فتركتها تذهب، ولكن تعال، ها هو ذا الغداء مهيأ، ولا بد من أن تكون جائعا، بعد ركبتك؛ فإني جائع ولم أركب مثلك، فهلموا بنا نجلس إلى الطعام.»
وأدوا للوجبة حقها، وحين جلسوا حول المائدة، بعد أن رفعت الصحاف عنها، راح المستر بكوك وسط حنق مريديه وشدة استبشاعهم، يقص عليهم الحادث الذي وقع له، والنجاح الذي كان حليفا لمكر جنجل الخبيث الرجيم، وأحابيله النكراء.
وختم المستر بكوك قصته قائلا: «وقد أحالني النقرس الذي أصابني في تلك الحديقة أعرج في هذه اللحظة لا أستطيع المسير.»
وقال المستر ونكل وهو يبتسم: «وأنا أيضا لي واقعة حال.» وانطلق تلبية لرجاء المستر بكوك يقص قصة القذف الشنيع الذي وجهته جريدة إيتنزول المستقلة، والهياج الذي انتاب صديقهم رئيس التحرير من جرائه.
وكان جبين المستر بكوك مقطبا خلال القصة، وأدرك أصحابه ذلك عليه، فلما انتهى المستر ونكل منها، وساد السكون، انطلق المستر بكوك يضرب المائدة بجمع كفه ويقول: «أليس من غرائب الظروف ألا ندخل بيت رجل إلا ورطناه إلى حد ما، وأوقعناه في محرجة؟ بل إني لأسأل: أليس هذا دليلا على نزق أصحابي، بل على ما هو شر من ذلك وأنكى، على سواد قلوبهم؟ فتحت كل سقف يقيمون، نراهم يزعجون سكينة أنثى وادعة مطمئنة، ويفقدونها سعادتها ورغدها، أقول: أليس ...»
وأكبر الظن أن المستر بكوك كان سينطلق في هذا القول ومثله، ويمعن طويلا، لولا أن دخل عندئذ سام يحمل كتابا، فقطع عليه بدخوله فيض بلاغته.
ومسح الرجل جبينه بمنديله، وخلع منظاره، فمسح زجاجته، ثم رده إلى عينيه، وقال وقد استرد رفق لهجته، وهدوء صوته: «ما هذا الذي جئت به يا سام؟»
وأجاب المستر ولر: «لقد عرجت على مكتب البريد منذ لحظة فوجدت هذا الكتاب، وقد لبث فيه يومين كاملين، وهو مختوم بخاتم رسمي، ومعنون بحروف مستديرة!»
وقال المستر بكوك وهو يفض الغلاف: «لا أعرف هذا الخط، يا لله! ما هذا؟ لا بد أن يكون هذا هزلا لا جدا، لا يمكن أن يكون هذا حقيقيا!»
Unknown page