وقال توم: «نعم، ولكن ...»
وصاح الشيخ به قائلا: «لا تقاطعني! أما عنك أنت يا توم، فلي رأي آخر مختلف كل الاختلاف عن رأيي فيه؛ لأني أعرف حق المعرفة أنك يوم تستقر في مشرب وحانة عامة، لن تغادرها ما دام بين جدرانها شراب تتعاطاه.»
وقال توم سمارت: «إني لشاكر لك كل الشكر هذا الرأي الجميل في شخصي.»
واستتلى العجوز في لهجة الآمر الناهي قائلا: «ولهذا ستنالها، أما هو فلن يظفر بها.»
وقال توم في لهفة: «وما الوسيلة إلى منعه؟»
وأجاب السيد الكبير بقوله: «هذا السر الذي أكشفه لك: إنه متزوج فعلا!»
وكاد توم يهب من فراشه، قائلا: «وكيف يتواتى لي إثبات ذلك؟»
وأزاح السيد الكبير ذراعه عن جنبه، وأشار إلى إحدى الخزانتين، ثم أعاد في عجلة ذراعه إلى موضعها السابق، وانطلق يقول: «إنه قد نسي أنه في الجيب الأيمن من سراويله الموضوعة في تلك الخزانة، قد ترك خطابا يرجو فيه أن يعود إلى زوجته الحزينة التي رزقت منه بستة - افهم مني يا توم - بستة ولدان كلهم صغار.»
ولم يكد الشيخ يفوه بهذه الكلمات، حتى بدت معالم وجهه تتلاشى شيئا فشيئا، وأخذ شكله يتوارى رويدا، وغمرت غشاوة عيني توم سمارت، وراح الشيخ يندمج تدريجا في المقعد، ويتقمص تقمصا، ويتحول الصدار الحريري إلى وسادة، والخف الأحمر إلى كيسين صغيرين من قماش أرجواني اللون، وبدأ الضياء يخفت قليلا قليلا، وارتمى توم سمارت فوق وسادته، وتولاه النعاس.
وأيقظه مطلع النهار من نومه الذي استولى عليه عقب اختفاء الشيخ، فجلس في فراشه، وراح يحاول عبثا بضع لحظات أن يتذكر أحداث الليلة الماضية، فلم تلبث ذكراها أن تدافعت على خاطره، فنظر إلى المقعد، فإذا هو كما رآه من قبل مقعد غريب الشكل، رهيب المنظر، وخيل إليه أنه لم يكن سوى خيال بارع قوي الأثر ، ذلك الذي جعله يكشف وجوه شبه بين ذلك المقعد والشيخ الكبير الذي لا يزال ماثلا لخاطره.
Unknown page