وأبدى كل من المستر ونكل والمستر سنودجراس موافقته أيضا على هذا الرأي.
وبعد الاهتداء إلى حانة لذربوتل، وهي حانة قروية نظيفة رحيبة لشرب الجعة، دخل المسافرون الثلاثة وسألوا في الحال عن سيد يدعى «طبمن».
وقالت ربة الحان: «أر السادة قاعة الجلوس يا توم!»
وفتح غلام ريفي ضخم البدن بابا في نهاية الردهة، فدخل الأصدقاء الثلاثة حجرة مستطيلة خفيضة السقف، فرشت بعدد كبير من المقاعد ذات ظهور ومساند مرتفعة، ووسائد من الجلد غرائب الأشكال، وازدانت جدرانها بعدة رسوم قديمة مختلفة الألوان، وصور أثرية أخرى، وفي طرفها الأقصى تقوم مائدة مكسوة بغطاء أبيض، وقد صفت عليها دجاجة مشوية، ولحم خنزير، وشراب وما إليه، وقد جلس إليها المستر طبمن، وهو أبعد ما يكون شبها بالرجل الذي أراد أن يودع العالم ويترك الحياة.
وما إن دخل الصحب عليه، حتى وضع السكين والشوكة فوق المائدة، وتقدم للقائهم تبدو عليه سمات الكآبة والأحزان.
قال وهو يتناول يد المستر بكوك: «لم أكن أتوقع لقاءكم هنا، إن هذا منكم لكريم.»
وقال المستر بكوك وهو يجلس ويمسح عن جبينه العرق الذي تصبب من طول المسير: «آه، أكمل غداءك، وتعال سر معي، فإني أريد أن أتحدث إليك على انفراد.»
ففعل «طبمن» كما طلب إليه، وبعد أن أنعش المستر بكوك نفسه برشفة طيبة من الشراب، لبث ينتظر صديقه حتى ينتهي من طعامه على مهل، ولكن الطعام انتهى عاجلا، فانطلقا يسيران معا.
وكانا يبدوان خلال فترة تقرب من نصف ساعة رائحين غاديين في فناء الكنيسة، ويلوح المستر بكوك من بعيد منهمكا في مقاومة الأمر الذي اعتزم صديقه الإقدام عليه، وليس ثمة فائدة من تكرار أقواله هنا وحججه؛ إذ ليت شعري أية لغة يمكن أن تعبر عن تلك القوة التي راح صاحب تلك الحجج البادهة يستعين بها على شرحها، ولا يهمنا أن نعرف هل كان المستر طبمن قد برم فعلا بالعزلة التي أرادها، أو شعر بأنه العاجز كل العجز عن مقاومة تلك المناشدة البليغة التي سمعها من صاحبه، وإنما كل ما يهمنا أنه سلم في النهاية، وانثنى عن المقاومة، وأنشأ يقول إنه لم يعد يهمه أن يقضي البقية التعسة من أيامه في هذه الدنيا، ولكن ما دام صديقه قد أصر على أن يصحبه، ورضي برفقته الذليلة، فلا يسعه إلا قبول مقاسمته أسفاره ومخاطره.
وابتسم المستر بكوك، وتصافح الصديقان، وعادا أدراجهما ليوافيا رفيقيهما الآخرين.
Unknown page