1
وقيدت اسمي بجدول المحاماة في 19 يوليو من تلك السنة، وكنت لم أبلغ العشرين بعد، واشتغلت محاميا بأسيوط شهرا واحدا «تحت التمرين» بمكتب الأستاذ محمد بك علي علوبة «باشا». وكان وقت التحاقي بمكتبه على أهبة القيام بالإجازة، فتركني لوكيل المكتب أتلقى عنه الإرشادات والتعليمات التي تلزم «المحامي المبتدئ»، فلم أرتح كثيرا لإرشاداته ولا لطريقته في تفهيمي القضايا، وبدا لي في أول عهدي بالمحاماة أنها لا تعجبني وأني لا آنس لها كثيرا. فضلا عن أني تساءلت في خاصة نفسي: وما مصيري في المحاماة إلى جانب نظراتي في الحياة وآمالي في الجهاد؟ فقضيت هذا الشهر قلقا أتطلع إلى الأفق لعلي أهتدي إلى طريق آخر يتفق وخواطري وآمالي.
عبد الرحمن الرافعي سنة 1908 عام تخرجي من مدرسة الحقوق. (2) في الصحافة
فما إن دعاني فريد بك إلى أن أشتغل بالصحافة محررا باللواء حتى قبلت دعوته، وبدأت حياتي الصحفية في أكتوبر سنة 1908 على عهده، ومن يومئذ ازدادت صلتي به؛ إذ كان يشرف على سياسة «اللواء» وتحريره ويكتب فيه كثيرا ويتردد عليه يوميا، وكنت أسمع منه ثناء على ما أكتب. وأذكر أني كنت أترجم إلى اللغة العربية مقالات المرحوم إسماعيل شيمي بك أحد أعلام الحركة الوطنية، وكان يكتبها بالفرنسية؛ إذ كان يتقنها دون اللغة العربية، وكانت آية في البلاغة، فجهدت نفسي في أن أبرزها إلى اللغة العربية في مستوى لا يقل عن بلاغتها الأصلية، ولعلي وفقت إلى بعض ما كنت أرجو، وكان فريد بك يراجع ترجمتي لمعظم هذه المقالات ويبدي لي إعجابه بها، فشجعني ذلك على الكتابة والترجمة.
وكنت أميل إلى كتابة المقالات المتسلسلة في موضوع واحد، ومن هنا نشأ ميلي إلى التأليف؛ إذ وجدت أن المقالة الواحدة في الصحف لا تتسع للموضوع الذي كنت أفكر فيه.
وأذكر أن أولى سلسلة مقالاتي كانت في موضوع الدستور، وعنوانها «آمالنا في الدستور»، بلغت عدتها سبع مقالات نشرت باللواء في أكتوبر ونوفمبر سنة 1908، وتوليت الرد على تقرير السير إلدون جورست المعتمد البريطاني عن سنة 1908، فكتبت في ذلك تسع عشرة مقالة نشرت في شهر مايو سنة 1909 تضمنت عرضا تحليليا للحركة الوطنية وموقف الاحتلال والحكومة حيالها.
وكتبت عدة مقالات عن حياتنا الاقتصادية وما يتهددها من خطر، وعن الاحتلالين السياسي والاقتصادي، والانقلابات الاقتصادية (اللواء 11 و14 و21 يناير و28 فبراير و7 مارس سنة 1909). (3) مدارس الشعب
وجه الحزب الوطني الشباب إلى المساهمة في بناء النهضة القومية في مختلف نواحيها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومن أعماله في الناحية الاجتماعية إنشاؤه مدارس الشعب الليلية في أواخر سنة 1908، وكان الغرض منها تعليم الفقراء والعمال مجانا، وقد تطوعت مع لفيف من الشباب للتدريس في هذه المدارس، ووضع الحزب برنامجا لها يتناول المواد الآتية: القراءة والكتابة، دروس الدين، قانون الصحة والاحتياطات الصحية، العناية بتربية الأطفال، القوانين الخاصة بالمعاملات اليومية، الشئون الاجتماعية، دروس الأشياء، الحساب، تاريخ مصر والتاريخ الإسلامي، جغرافية مصر، أخلاق وآداب.
وبلغ عدد المدارس التي أنشأها الحزب في القاهرة سنة 1909 أربع مدارس في أقسام الخليفة وبولاق وشبرا والعباسية. تحوي كل منها نحو مائة وعشرين تلميذا من مختلف الحرف، وقد ألقيت بعض الدروس في مدرسة الخليفة، وسمعت محمد بك فريد يلقي فيها درسا، وسمعت أيضا أحمد بك لطفي يلقي درسا في مدرسة بولاق.
وأنشأ نادي المدارس العليا عدة مدارس أخرى على غرار هذه المدارس.
Unknown page