وعادت بديعة إلى الفرقة من جديد فأعددنا رواية تكون هي بطلتها، واهتممنا بوضع ألحان الرواية، فأخذنا للتلحين موسيقيا بارعا، هو الأستاذ زكريا أحمد، الذي أبدع كل الإبداع ووفق تمام التوفيق. أما الرواية فكان اسمها «ياسمينة»، وقد نجحت بالفعل بديعة كما كان مأمولا. وأخرجنا عقب «ياسمينة» رواية أخرى اسمها «أنا وأنت»، وبعدها رواية ثالثة اسمها «علشان سواد عينها».
ورأيت أن أخرج بعد ذلك رواية استعراضية فأعددنا «مصر في سنة 1929» ...
وكما تقضي سنة الأشياء وطبيعتها، دب الخلاف بين بديعة وبيني مرة أخرى، وتجددت أسباب النزاع. وأصبح الصفاء القديم خبرا يروى. فعاد الوسطاء ومحبو الوفاق يجهدون أنفسهم في إزالة ما اجتاح النفوس من موجات الاستياء، ولكن كانت محاولاتهم فاشلة، فذهبت مجهوداتهم أدراج الرياح. ورأى كلانا (بديعة وأنا) أن حالة كهذه مستعص علاجها على «نطس» المصلحين، فاتفقنا فيما بيننا على وضع حد لكل شيء، وذلك بفصم عرى الحالة المعيشية، أما ما بقي من معاني الوفاق والمجاملات، فهذا ما يظل بيننا على حاله. ولقد كان اتفاقنا هذا على يد محام، وبذلك انتهى كل شيء، ولم يعد هناك سبيل للشقاق أو الوفاق.
بلا حمص
وعودة بسيطة إلى الوراء كي أبين ما كنت فيه من حالة لا تسر. ذلك أني كنت في أثناء هذا الموسم وقبله غارقا «لشوشتي» في ديون شرحت فيما مضى أصولها وفروعها، وقلت إن الدائنين قد اختاروا السيدة (ك) بصفة (سنديك) ووصية علي في وقت واحد، فكانت تتناول عن الدائنين أقساط الدين وتعطيني مصروفا يوميا، ولقد زاد على ذلك مرتب بديعة مصابني وقدره خمسة جنيهات في اليوم.
أنهينا الموسم على خير، وكانت نتيجته أن سددت الديون بمهارة الست (السنديك)، وإن كنت أنا قد خرجت من الموسم بلا حمص - كما هي العادة - وأنا أحمد الله الذي لا يحمد على مكروه سواه.
شعرت أن صحتي في حاجة إلى العناية، وأنه لابد لي من الالتجاء إلى الهدوء بعض الوقت. ولكن أين لي ذلك والجيب مافيهش ولا مليم على رأي الصنايعية المساكين! تقدمت إلى مقام الست المبجلة الوصية المحترمة، طالبا من الله، ولا يكتر على الله، ثلاثين جنيها بس علشان أشم هوا في لبنان، وإلا في إسكندرية. وتفضلت، الله يسترها ولا يوريهاش مكروه في عزيز لديها، تفضلت وسمحت بإقراضي هذا المبلغ، بعد أن ألقت علي محاضرة لا بأس بها في مبادئ الاقتصاد وعلوم التدبير المنزلي واللوكاندجي! وكان ظريفا منها أن تختم هذه المحاضرة النفيسة، بنصيحة نفيسة برضه، هي أن آخد بالي من صحتي أحسن مش كويس. ولعل هذه هي النتيجة الوحيدة التي عملت بها من بين الثلاثين أربعين نصيحة التي ألقتها علي المدام (السنديك).
وقد نصح لي البعض بإدخال عنصر الطرب في الفرقة. وعملت بالنصيحة، عندما تقدمت لي فتاة من الإسكندرية اسمها (هدى)، واهتممت بأمر إظهارها، واتفقت مع الموسيقي الكبير الأستاذ محمد القصبجي على أن يضع لها ألحانا توافق صوتها، وتعدها للظهور أمام الجمهور بالمظهر الذي كنا نوده ونعمل له.
ووضعت بالاشتراك مع الزميل العزيز بديع خيري أيضا رواية «نجمة الصبح»، وقد أسندت دور البطولة النسائية فيها إلى مطربتنا الجديدة (هدى). وقد نجحت (أقصد الرواية) نجاحا كبيرا يكفي لوصفه أن أقول بأنه ما يزال إلى اليوم حليفا لها في كل مرة تعرض فيها، لا من فرقتي وحدها، بل ومن الفرق المتجولة التي تستحل - كده بالعافية - أن تغير على روايات الغير في وضح النهار، واللي ما يعجبوش فأمامه البحر يملا منه معدته كما يشاء، مادام مفيش في البلد قانون يحمي المؤلفين من نشالي الروايات وخاطفيها ... عيني عينك!
محاولة الاقتباس
Unknown page