وحبكت أزرار جاكتتي، ودخلت على مديري باسما متهللا معللا نفسي بالآمال قائلا في سري ... إنه يكفيني أن تكون العلاوة جنيها واحدا و«خليني» لطيف، لأن (الطمع يقل ما جمع). وبعد هذا الحوار الظريف بيني أنا نجيب الريحاني وبين نفسي التي هي أمارة بالسوء، ابتدرني المدير قائلا بتلك الجملة المأثورة التي لا يزال صداها يرن في أذني: - أنا متأسف جدا يا نجيب أفندي لأن الفرقة استغنت عنك ...!
يا نهار زي الحبر يا أولاد!! استغنت عني!! وهل يعتبر النجاح جرما يعاقب عليه الممثل؟ وإذا كان الأمر كذلك فلم لم تصدر لي الأوامر قبل التمثيل حتى كنت ألجأ إلى السقوط التام والفشل الزؤام؟!
نهايته. لم أجد فائدة من الأخذ والرد فأخذتها من قصيرها وعدت أدراجي إلى القاهرة، وفي قهوة الفن متسع للجميع!! ومن فات قديمه تاه!!!
عود إلى الوظيفة
طال بي عهد الخلو من العمل، فحفيت قدماي سعيا، حتى كانت سنة 1910، حيث عثرت على وظيفة في شركة السكر بنجع حمادي فسارعت إلى تسلم عملي هناك، مبتعدا عن العاصمة وما فيها من شقاء، تاركا خلفي ذلك الوسط الخبيث، وسط التمثيل الذي أعشقه وأتمناه !!
وأظهرت نشاطا في العمل بشركة السكر كان موضع ثناء رؤسائي وإعجابهم. وبسم لي الدهر بعد عبوس وحالفني بعد خصام، وظللت أشق طريق المستقبل راضيا مطمئنا.
ودام الحال على ذلك سبعة أشهر فإذا المثل الخالد: «عند صفو الليالي يحدث الكدر». أقول إن هذا المثل تراءى لي شبحه بعد هذه الأشهر السبعة فقوض ما بنيت للمستقبل من قصور الآمال، وحملني توا من حال إلى حال. هذا «الكدر» سببته واقعة ... قاتل الله الشيطان ... واقعة أذكرها هنا من باب التسجيل فقط، وإن كان الخجل يكسوني كلما طوح بي الفكر إلى تلك الذكرى البعيدة، ولكن ما باليد حيلة!!
كان باشكاتب الشركة رجلا مسنا اسمه (عم. ت) وكان رحمه الله على نياته وإذا ضربه أحد على خده الأيمن أدار له الأيسر، وكان كل همه أن يتلو الإنجيل ويستوعب معانيه. وكان مسكني مواجها لمسكنه وقد ولدت هذه الجيرة بيننا اتصالا وثيقا.
كانت السيدة حرم (العم ت) على جانب كبير من الجمال. وكانت في سن تسمح لها بأن تكون ابنة (للعم ت) لا زوجة له. كذلك كان الحال معي. وإلى هنا تسير المسألة في مجراها الذي ترسمه طبيعة كل شيء.
وفي أحد أيام الشهر السابع، اضطرت الأعمال حضرة الباشكاتب إلى السفر لمصر في مهمة مصلحية، وإذ ذاك خلا الجو للشباب. وحلا له أن يمرح، فحدث أن اتفقنا على ألا تغلق السيدة بابها الخارجي، حتى أستطيع المرور في منتصف الليل! وتم الترتيب كما اتفقنا، وذهبت السيدة إلى مخدعها بعد أن تظاهرت أمام خادمتها أنها أقفلت الأبواب. ولكنني لا أدري أي شيطان دفع بهذه الخادمة اللعينة إلى القيام بعد ذلك وإحكام القفل من الداخل. وحان موعد اللقيا فتسللت، وما أشد دهشتي حين وجدت الباب موصدا دون غرامي وأحلامي. واستشرت الشيطان فيما أفعل فدلني - قاتله الله - إلى منفذ في السقف (منور) تدليت منه ولكن الخادمة استيقظت في نفس اللحظة، وظنتني لصا يسطو على المتاع، فصرخت بصوتها المنكر، وصحا الجيران، ووفد الخفراء وألقي القبض علي. وكانت فضيحة اكتفوا عقبها بفصلي من عملي فعدت إلى محلي المختار في قهوة الفن بشارع عبد العزيز.
Unknown page