وقد استطاع سعيد باشا في مدة رئاسته للوزارة، أن يخفف بعض الأحكام الصارمة فرفع شيئا من الضغط عن الصحافة والخطابة. ولكن الناس كانوا يسيئون الظن بنياته؛ لأنهم كانوا يعرفون جفاءه لسعد باشا ووفاقه مع اللورد اللنبي، فأوجسوا منه خيفة، وثار بعضهم عليه، ورماه أحدهم بقنبلة لم تصبه.
على أن الوفاق بين سعيد باشا واللورد اللنبي لم يمتد طويلا، فقد اختلفا في مسألة لجنة ملنر والغرض من قدومها، فقد كان اللورد اللنبي باختصار يرى أن امتعاض المصريين من قدوم لجنة ملنر سبب كاف لتعجيل قدومها بينما كان رئيس الوزارة يرى ألا تحضر اللجنة قبل الفراغ من حل القضية المصرية بين الدولة العثمانية والدولة البريطانية، وقد أدى هذا الخلاف إلى استقالة سعيد باشا من رئاسة الوزارة.
وفي 21 نوفمبر 1919، قبل يوسف باشا وهبة تشكيل الوزارة، ونهج منهاج سلفه على أن تكون وزارته إدارية، واتخذ خطة الحياة بالنسبة للجنة ملنر المقبلة.
وقد وصلت لجنة ملنر إلى القاهرة يوم 7 ديسمبر 1919 في جو مشحون بالكراهية وسوء الظن من جميع المصريين الذين كانوا على إيمان واقتناع كاملين بأن هذه اللجنة تهدف إلى احتواء مصر ضمن المستعمرات البريطانية، لا سيما أن وظيفة رئيس اللجنة لورد ملنر هي «وزير مستعمرات». وهذا وحده كفيل بأن يوحي بوجود هذه النية، فضلا عن أن أعضاءها كلهم من المستعمرين، ورغم أن اللجنة أصدرت بيانا تطمئن فيه الأمة إلى حسن نواياها وإلى رغبتها في التعاون للتوفيق بين أماني الأمة وبين المصالح الخاصة لبريطانيا، فإنها قد تطوعت من الوفد ومن البلاد كافة، ولم يعد أمامه مناص من السفر بعد مدة لم تطل.
أما وزارة يوسف باشا وهبة فقد قوبلت بكثير من الامتعاض من أهل البلاد قاطبة، وتوالت الاحتجاجات على قبول رئيسها للوزارة، وأعتقد أن إخواننا الأقباط قد ضربوا المثل الرائع في التضامن مع إخوانهم المسلمين، وتوجوا نضالهم الوطني بهذا التضامن الذي ظهر جليا في البيان الذي نشر في 21 نوفمبر تحت عنوان «احتجاج الأقباط على وزارة وهبة باشا - بيان إلى الأمة المصرية». وقد جاء فيه:
علمنا أن صاحب المعالي يوسف وهبة باشا قد قبل، في الظروف القاسية العصبية التي تجتازها الأمة، أن يقوم بتشكيل الوزارة بعد البلاغ الرسمي الأخير الذي تضمن تمسك الإنجليز بالحماية على مصر؛ وحيث إنه لا يمكن تفسير هذا القبول إلا بقبول الحماية والعمل تحت لوائها ومعاونة لجنة ملنر في تقرير مصير البلاد.
وحيث إنه يخشى أن يعتبر الإنجليز الذين يسعون جهدهم لتشويه حركتنا الوطنية ووحدتنا القومية قبول الرجل لهذا المنصب بمنزلة إرضاء أقباط مصر أو فريق منهم عن وزارته أو عن سياسة هذه الوزارة أو أي سياسة لا ترمي إلى إنالة مصر استقلالها التام.
وحيث إن وهبة باشا لم يمثل في وقت من الأوقات أماني الأقباط ولم يشترك معهم في شعورهم القومي أيا كان نوعه.
وحيث إنه لا فرق بين مسلم وقبطي بل المصريون كلهم شخص واحد، ولكن الأقباط يرون أنفسهم مضطرين إلى أن يتقدموا بصفتهم أقباطا لإظهار شعورهم حيال هذا الحادث.
لذلك هم يلعنون براءتهم من كل رجل أو هيئة تقبل الحماية أو تساعد على تعضيدها.
Unknown page