أريد قبلما أبرح أرض الولايات المتحدة الأمريكية أن أرسل تحية ود خالصة إلى الأمة الأمريكية ممثلة في الأصدقاء العديدين الذين علموني كيف أحبها.
إلى هؤلاء الأصدقاء الذين مهدوا لي مثل ذلك الاستقبال الودي والترحيب القلبي، والذين يؤسفني استئذانهم في الرحيل، أريد أن أقول ما أصعب الفراق على النفس بعد شهرين تمتعت خلالهما بلذة صحبتهم والتغلغل في مجتمعهم والإعجاب عن كثب بهمتهم ونشاطهم وحبهم الخير وعملهم البر.
لذلك أود قبلما أغادر هذه البلاد الجميلة، أن أقول لهم إلى اللقاء لا وداعا؛ لأن من يذوق كرم الضيافة الأمريكية كمن يشرب من ماء النيل، كلاهما يعود.
إلى اللقاء أيها الأصدقاء الأمريكان الأعزاء، وشكرا لترحيبكم وبخاصة لما أظهرتموه نحو مصر من عطف وحنان مؤثرين بمناسبة وفاة زعيمنا الوطني المأسوف عليه أشد الأسف زغلول باشا، على الرغم من مشاغلكم المرهقة.
إنني لن أنسى العبرات التي رأيتها تجري من تلك العيون النجل، عيون خير أصدقاء مصر، عند إعلان ذلك الخبر المشئوم، هذه العبرات قد جمعتها في قلبي حتى أضيفها إلى عبرات بني وطني، فإنها ستزيد روابط الأمتين القوية الوثيقة قوة ووثوقا باتحاد المشاعر والتذكار الحزين والشجن الواحد المقدس.
وأذكر أن الكاتب الصحفي المعروف أحمد الصاوي محمد كان قد التقى بي في باريس عقب عودتي، وأجرى معي حديثا صحفيا عن رحلتي إلى أمريكا نشرته جريدة السياسة ... الأسبوعية في عددها الصادر بتاريخ 10 نوفمبر 1927، وبطبيعة الحال فقد سألني عن انطباعاتي عن أمريكا، فقلت له: لقد أردت أن أدرس حركة المرأة فقط، ولكن الحياة الاجتماعية الأمريكية شاقتني، فقد رأيتهم ذوي حيوية نادرة ونشاط خارق، وأمكنني بمساعدة مدام تايلور التي كانت ضيفتنا في مصر في العام الماضي وأرادت ضيافتي هذا العام، أن أزور مستشفيات ومعاهد للأطفال وبيوتا لتعليم الفقراء، أخذت عنها مذكرات أظنها تنفع البلد، وسأعرضها عند عودتي على أولي الشأن لتطبيقها بقدر الإمكان.
أما بالنسبة لمعرض الخزف، فقد استحسنت عرض هذه المصنوعات المصرية في أرض مصرية، ولذلك رفضت عروض بيوت المعارض في نيويورك، واخترت عرضها في المفوضية المصرية بواشنطن. وكانت محل إعجاب كل من رآها وبخاصة من الشرقيين كسفراء اليابان والصين والهند وغيرهم من رجال السياسة.
ومما جعلني لا أعرضها في «جاليري» هو عدم وجود صور زيتية أو تماثيل ودمى؛ لأنهم يعتقدون أن الفن الجميل قد مات في مصر، فأبيت أن تثبت هذه الفكرة، ولو بطريق غير مباشر، فعدلت عن المعرض. وعندنا مختار ويوسف كامل وعياد وناجي وأحمد يوسف وهدايت وغيرهم ممن لا تحضرني أسماؤهم ... ولذلك أبقيت ذلك للاتفاق مع جماعة محبي الفنون لعمل معرض واف في السنة التي بعدها في فرنسا وأمريكا، ولا شيء يرفع من شأن مصر مثل هذه الأشياء، وكان إقبال الجمهور وإعجابه مما يشجع على عمل مشروع أكبر وأعظم، وأتمنى على مواطني في مصر مساعدتي، ومما لوحظ أن عرض هذه المصنوعات وحدها غير كاف، بل يجب أن يكون مكتوبا «صنع في مصر» على كل قطعة، فهذه وحدها لها قيمتها الكبرى.
وقد سألني الأستاذ الصاوي: وما حكاية المؤتمرات التي تتنازع فخر وجودك فيها؟
فقلت له: لقد وصلتني وأنا في أمريكا دعوة من مؤتمر التدبير المنزلي بروما، فأرسلت تلغرافا بالاعتذار لبعدي عن المكان، وأرسلت إلي الحكومة المصرية تعرض علي رئاسة وفدها، وهي ثقة أقدرها وأشكرها عليها، ولكنني اعتذرت لأنني مضطرة لحضور مؤتمر الاتحاد النسائي الدولي العام الذي أنا عضو في مكتبه الرئيسي. وسيعقد في 21 الجاري في أمستردام ... وكنت قد رجوت وزارة المعارف الاشتراك في مؤتمر روما؛ لأن الاطلاع على ما يعمل في البلاد المتمدنة يهم بناتنا، ولأنني أحب أن تكون مصر ممثلة في جميع بلاد العالم لأننا في صف الأمم الممتازة، والاحتكاك بالغربيين له نفع جزيل.
Unknown page