Al-Lāmiʿ al-ʿAzīzī sharḥ Dīwān al-Mutanabbī
اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي
Regions
•Syria
يقول: نظر الأهلة إلى وجهه، يقوم مقام نائله، لأنها تقابل منه سعدًا وتكتسب منه نورا، فنائله عم الأهلة وسائر الخلق، ولم يختص به البشر دون غيره.
ما الدّهر عندك إلا روضةٌ أنفٌ ... يا من شمائله في دهره زهر
الروضة الأنف: التي لم ترع، فيكون أحسن لها.
شبه الدهر بالروضة، وشمائله بالزهر الذي هو في الروضة لحسنها.
ما ينتهي لك في أيامه كرمٌ ... فلا انتهي لك في أعوامه عمر
الهاء في أيامه للدهر، وكذلك في أعوامه وقوله: فلا انتهى دعاء للمدوح.
يقول: ليس لكرمك نهاية في الدهر، وعمرك يزيد في أعوام الدهر.
فإنّ حظّك من تكرارها شرفٌ ... وحظّ غيرك منه الشّيب والكبر
الهاء في تكرارها للأيام أو للأعوام، وفي منه للدهر.
يقول: إنك لا تزال تزداد شرفًا على مرور الأيام وكرور الأعوام؛ لأنك تفعل في كل وقت فعلًا لك فيه ذكر وشرف، وغيرك يزداد شيبًا وهرمًا.
ومد قويق: وهو نهر بحلب، فأحاط بدار سيف الدولة، فخرج أبو الطيب من عنده، فبلغ الماء صدر فرسه. فقال:
حجّب ذا البحر بحارٌ دونه
يذمّها النّاس ويحمدونه
البحر: سيف الدولة، والبحار: مدود النهر.
يقول: حالت هذه السيول، والمدود، بيننا وبين بحر الجود، فالناس يذمون هذه البحار؛ لأنها منعتهم عن ذلك البحر ويحمدون سيف الدولة؛ لأنه لم يحجب نائله عنهم.
وقيل: يذمون البحار استحقارًا بالإضافة إليه، ويحمدونه تعظيمًا له.
يا ماء هل حسدتنا معينه؟
أم اشتهيت أن ترى قرينه؟
المعين: الماء الظاهر الجاري على وجه الأرض، مفعول من العين: أي تدركه.
يقول للماء: هل حسدتنا على كثرة جوده، الذي هو كالماء الجاري، فحلت بيننا وبينه؟ وقيل: معناه هل حسدتنا على مشاهدتنا لسيف الدولة فعقتنا عنه وعن الوصول إليه؟ أم أردت يا ماء أن ترى قرينه: أي تكاثر جوده، فتكون أنت قرينًا له؟؟!
أم انتجعت للغنى يمينه؟
أم زرته مكثّرًا قطينه؟
قطين الملك: خدمه المقيمون.
يقول للماء: أم قصدته يا ماء مستميحًا الغنى منه؟ أم أردت أن تكثر بنفسك خدمه وحشمه تشرفا بخدمته؟
أم جئته مخندقًا حصونه؟
إنّ الجياد والقنا يكفينه
يقول: لعلك جئته لتصير خندقًا حول حصونه، ثم إنه لا يحتاج إلى إحاطتك بحصنه، بل هو غني بخيله وسلاحه.
والضمائر من أول الأبيات إلى ها هنا للبحر.
يا ربّ لجّ جعلت سفينه
وعازب الرّوض توفّت عونه
اللج: جمع لجة. والهاء في سفينه عائدة إليها لفظًا. والسفين: جمع السفينة، والهاء في عونه للروض. والعون: جمع عانة، وهي القطعة من حمر الوحش. والتاء في جعلت وتوفت للجياد.
يقول: رب لجة جعلت الجياد سفينًا لها. يعني أنه اقتحم بها الأنهار العظيمة في غزواته، فصارت كالسفن. وقيل: أراد حومة القتال وغمرة الحرب. ورب روض بعيد قد وصلت إليه هذه الجياد، فاستوفت جميع ما فيها من عانات الحمر الوحشية وأهلكته.
وذي جنونٍ أذهبت جنونه
وشرب كأسٍ أكثرت رنينه
وأبدلت غناءه أنينه
وقوله: وذي جنون: كناية عن الشجاع، أو كناية عن الباغي. وقيل: أراد به ملكًا. كأنه من غيرة نفسه مجنون، والشرب: القوم المجتمعون على الشراب. والهاء في جنونه لذي جنون وفي رنينه وغناءه وأنينه للشرب، لفظًا لا معنىً، والرنين: صوت الباكي الحزين. والأنين: صوت الحزين المتوجع.
يقول: ورب ذي جنون قصدته هذه الخيل، وأذهبت ذلك الجنون من رأسه، ورب قوم شاربين للكأس، هجمت عليهم فقتلتهم وأكثرت رنينهم وأبدلت غناءهم وطربهم حزنًا وبكاء!
وضيغمٍ أولجها عرينه
وملكٍ أوطأها جبينه
العرين: موضع الأسد في الأجمة. وفاعل أولجها ضمير البحر، الذي هو سيف الدولة، والهاء: ضمير الجياد، وكذلك في أوطأها أي ورب أشد أدخل سيف الدولة هذه الجياد في أجمته، وأغار على مملكته، ورب ملك قتله، ومشى بها على جبينه.
يقوده مسهّدًا جفونه
مباشرًا بنفسه شؤونه
مسهدًا ومباشرًا نصب على الحال، والضمائر كلها راجعة إلى سيف الدولة، وهو المعبر عنه بالبحر.
يقول: يقود سيف الدولة هذه الجياد إلى الحروب ليلًا، وقد منع أجفانه من النوم.
1 / 307