Mucjiz Ahmad
اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي
Genres
Rhetoric
يقول: بارك الله فيك أيها الغيث، فإن الغيث يكسو الأرض أنواع الأزهار وأصناف النبات والأنوار، وأنت تكسونا الخلع النفسيه من ضروب الوشى والديباج، فكأن جلودنا أنبتت هذه الثياب، كما أنبتت الأرض النبات بالغيث. شبه الجلود بالأرض، والخلع بالنبات، وسيف الدولة بالغيث.
ومن واهب جزلًا ومن زاجر هلًا ... ومن هاتك درعًا، ومن ناثرٍ قصبا
وهذا معطوف على قوله: فبوركت من غيث، ومن واهب، وهلا: زجر للخيل، ينون على النكرة ولا ينون على معنى المعرفة، وذلك كناية عن كونه فارسًا مقتدرًا، على أن يصرف فرسه كيف شاء والقصب: الأمعاء وروى: باتر قصبا أي قاطع أمعاء.
يقول: بوركت من واهب كثيرًا، وزاجر فرسه في المعركة، وهاتك درع عدوه عليه بسيفه، وناثر أمعاءه: إذا أصاب جوفه ونثر أمعاءه على الأرض.
هنيئًا لأهل الثّغر رأيك فيهم ... وأنّك حزب الله صرت لهم حزبا
نصب هنيئًا على المصدر، وقيل: على الحال لفعل مضمر، أي ثبت رأيك هنيئًا وحزب الله نصب لأنه منادى مضاف، والثغر: مدينة مرعش.
يقول: هنأ الله أهل الثغر بحسن رأيك فيهم واهتمامك بأمرهم، وهنأهم الله، يا حزب الله، أنك صرت لهم حزبًا وجيشًا وناصرًا، تعاونهم وتذب عنهم.
وأنّك رعت الدّهر فيها وريبه ... فإن شكّ فليحدث بساحتها خطبا
الكناية في فيها وساحتها راجعة للثغر، وأنثه على معنى المدينة، أو البلدة، أو الأرض، وفاعل فليحدث ضمير الدهر، وخطبا مفعوله، وفاعل شك ضمير الدهر أيضًا.
يقول: وهنيئًا لهم انك خوفت الدهر في هذه المدينة، وخوفت حوادثه، فإن شك الدهر في ذلك، فليحدث بساحة هذه المدينة خطبا، ولينزل بها حادثة.
فيومًا بخيلٍ تطرد الرّوم عنهم ... ويومًا بجودٍ تطرد الفقر والجدبا
يقول: لا تزال تذب عنهم، وتحامي عليهم، فإن قصدهم الروم طردتهم بخيلك، وإن نازلهم فقر وجدب كشفته عنهم بجودك وأفضالك.
سراياك تترى والدّمستق هاربٌ ... وأصحابه قتلى وأمواله نهبى
يقول: سراياك متصلة إلى الروم، والدمستق لا يثبت لها بحال، أي من قتلك أصحابه، وأمواله نهبة للمسلمين.
أتى مرعشًا يستقرب البعد مقبلًا ... وأدبر إذ أقبلت يستبعد القربا
مرعش: مدينة كان سيف الدولة جدد بناءها.
يقول: أتى الدمستق مدينة مرعش وهو مسرور، لطمعة فيها، فكأن الأرض تطوى له، والبعيد يقرب عليه، فلما قصدته ولى مدبرًا، وهو شديد الغم، وطال عليه الطريق فصار قريبه بعيدًا ومثله:
أرى الطّريق قريبًا حين أسلكه ... إلى الحبيب بعيدًا حين أنصرف
ومثله لتوبة:
وكنت إذا ما زرت ليلى بأرضها ... أرى الأرض تطوى لي ويدنو بعيدها
كذا يترك الأعداء من يكره القنا ... ويقفل من كانت غنيمته رعبا
أراد بالأعداء: سيف الدولة، وجيشه.
يقول: من يكره أن يقتله أعداؤه، هكذا ينهزم ويرجع، ولم يغنم في قتاله إلا الخوف.
وهل ردّ عنه باللّقان وقوفه ... صدور العوالي والمطهّمة القبّا
يقول: قد فر بين يديك، لعلمه أنه لا يقاومك؛ لأنه لما ثبت لك حين لقيته على اللقان، قتلت أصحابه، وغنمت أمواله، ولم يرد عنه وقوفه الرماح، فلهذا لم يقف لك الآن، والقب: جمع أقب، وهو الضامر من الخيل.
مضى بعد ما التفّ الرّماحان ساعةً ... كما يتلقّى الهدب في الرّقدة الهدبا
أراد بالرماحين: رماح العسكرين، فثنى الجمع، كأنه قال: رماح هؤلاء ورماح أولئك. والهدب: شعر الجفن، شبه التفاف الرماح واشتباكها، عند الطعن باشتباك الأجفان عند النوم.
يقول: ثبت لك على اللقان ساعة، فلما اشتبكت رماح العسكرين، ولى منهزمًا، وكأن اشتباك الرماح كالتقاء الهدبين إذا نام الإنسان.
ولكنّه ولّى وللطّعن سورةٌ ... إذ ذكرتها نفسه لمس الجنبا
السورة: الحدة، والشدة، وقوله: إذا ذكرتها نفسه إلى آخر البيت: صفة لسورة.
لما اشتد الطعان ولى، وقد امتلأ قلبه خوفًا، وكلما ذكر سورة الطعن، لم يصدق أنه سلم منها فيلمس جنبه، هل هو صحيح أم مطعون؟ ومثله لأبي نواس:
إذا تفكّرت في هواي له ... لمست رأسي: هل طار عن جسدي؟
وقيل: معناه يلمس جنبه وينثني عليه خوفًا من أن تنشق مرارته من الخوف كما قال آخر:
1 / 271