Mucjiz Ahmad
اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي
Genres
Rhetoric
إذا شئت حفت بي على كل سابحٍ ... رجالٌ كأن الموت في فمها شهد
حفت: أي أحدقت بي، وفاعله: رجال. والهاء في فمها للرجال والشهد: العسل مع ما فيه من الشمع.
يقول: متى شئت أحدقت بي رجال راكبون على فرس سابحٍ، وكانوا أبطالًا يجدون الموت في الحرب حلوًا كالعسل. وروى حفت بي أي: أسرعت.
أذم إلى هذا الزمان أهيله ... فأعلمهم فدمٌ وأحزمهم وغد
صغر أهل الزمان على جهة التحقير. والفدم: هو الغبي. والوغد: العبد، وقيل من لا خير عنده.
يقول: أذم إلى أهل الزمان أهله؛ فأعلم هذا الزمان جاهل غبي، وأكثرهم حزمًا ضعيف وحقير، لا خير عنده ولا غناء له.
وأكرمهم كلبٌ وأبصرهم عمٍ ... وأسهدهم فهدٌ وأشجعهم قرد
العمى: الذي عمي قلبه. ويضرب المثل في الكلب بالخسة، وفي كثرة النوم بالفهد وفي الجبن بالقرد لأنه لا ينام بالليل خوفًا على نفسه.
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى ... عدوًا له ما من صداقته بد
يقول: من محن الدنيا على الحر، أن يرى عدوًا له، ويظهر من صداقته، بحيث لا يكون من إظهارها بد.
والأصل ما من إظهار صداقته بد، غير أنه حذف المضاف؛ لأن العدو لا يكون صديقًا.
وروى أن يرى بضم الياء، على ما لم يسم فاعله. أي يرى الدنيا. ومعناه: من لوم الدنيا أن الحر مجبول على حبها، وهي عدوٌ ولا يقدر أن يعرض عنها. وهذا من قول أبي نواس:
إذا امتحن الدنيا لبيبٌ تكشفت ... له عن عدوٍّ في ثياب صديق
بقلبي وإن لم أرو منها ملالةٌ ... وبي عن غوانيها، وإن وصلت صد
الهاء في منها وغوانيها: للدنيا.
يقول: إني وإن لم أرو من الدنيا، ولم أقض منها وطري، فإني قد مللت منها، لما عرفت من تقلب أحوالها، ولذلك أعرضت عن غواني هذه الدنيا؛ لما عرفت من غدرهن وقلة وفائهن، وإن واصلتني فلا أبالي لوصالي.
خليلاي دون الناس: حزنٌ وعبرةٌ ... على فقد من أحببت ما لهما فقد
ما لهما: أي للحزن، والعبرة.
يقول: لما فقدت حبيبي أعرضت عن الناس وانفردت بالبكاء والحزن، فهما خليلاي، وليس لهما فقد.
تلج دموعي بالجفون كأنما ... جفوني لعيني كل باكيةٍ خد
يقول: لا تخلو جفوني من الدموع، فكأن جفوني خد لعيني كل باكية في الدنيا، وكأن كل دمع يجري من كل عين يجري على جفوني.
وإني لتغنيني من الماء نغبةٌ ... وأصبر عنه مثل ما يصبر الربد
النغبة: الجرعة، الربد: النعام، وهو جمع أربد، ورابد. والأربد: الذي يعلو سواده غبرة.
يقول: يكفيني من الماء جرعة، فإذا نلتها أصبر عن الماء، كما صبر النعام. والنعامة لا ترد الماء وتكتفي بالهواء، وكذلك الضب والحية.
وروى: وإني لتغنيني عن الماء نعته: أي وصفه، وهو أبلغ: يعني إذا وصف الماء أو نعت ارتويت بوصفه.
وأمضي كما يمضي السنان لطيتي ... وأطوي كما تطوي المجلحة العقد
الطية: النية. وروى: أطوي. أي أجوع. والمجلحة: الحادة في طلبها، المصممة على أطوادها. وأراد بها الذئاب، وهي أدوم السباع كلها، وأحرصها على الصيد. والعقد: جمع أعقد، وهو الذي في ذنبه عقد، وهي أخبث الذئاب.
يقول: إذا عزمت على شيء مضيت فيه مضاء السنان، وإذا عدمت الزاد صبرت عنه، كما تصبر الذئاب. وهي توصف بالطوى، ويقال: أجوع من ذئب.
وأكبر نفسي عن جزاءٍ بغيبةٍ ... وكل اغتيابٍ جهد من ماله جهد
الجهد والجهد: الطاقة.
يقول: أجهد نفسي ألا أجازي أحدًا بغيبة إذا اغتابني؛ وإنما يفعل ذلك من لا يقدر على المكافأة بالفعل.
وأرحم أقوامًا من العي والغبا ... وأعذر في بغضي لأنهم ضد
العي: العجز عن الكلام. والغباء: الجهل.
يقول: أرحم من فيه الجهل والعي، وأعذرهم إذا بغضوني؛ لأنهم ضدي؛ إذ ليس في مثل ما فيهم من العي والجهل.
ويمنعني ممن سوى ابن محمدٍ ... أيادٍ له عندي يضيق بها عند
جعل عند اسمًا، وإن كان لا يستعمل إلا ظرفا؛ لأنه حمله على المعنى. كأنه قال: يضيق بها المكان، ولأن أصل الأسماء يجريها بوجوده الإعراب، فإذا اضطر الشاعر ردها إلى الأصل.
يقول: إن نعم ابن محمد كثيرة عندي، بحيث يضيق بها المكان من كثرتها، فلما أردت أن أمدح غيره منعتني تلك النعم أن أمدح أحدًا سواه؛ حياءً منه.
1 / 170