Muʿāwiya b. Abī Sufyān Amīr al-Muʾminīn wa-kātib waḥy al-nabī al-amīn ﷺ Kashf shubuhāt wa-radd muftariyāt
معاوية بن أبي سفيان أمير المؤمنين وكاتب وحي النبي الأمين ﷺ كشف شبهات ورد مفتريات
Publisher
دار الخلفاء الراشدين - الإسكندرية،مكتبة الأصولي - دمنهور
Publisher Location
مكتبة دار العلوم - البحيرة (مصر)
Genres
وَكَانَ فِي جُهَّالِ الْفَرِيقَيْنِ مَنْ يَظُنُّ بِعَلِيِّ وَعُثْمَانَ ظُنُونًا كَاذِبَةً، بَرَّأَ اللهُ مِنْهَا عَلِيًّا، وَعُثْمَانَ: كَانَ يَظُنُّ بِعَلِيِّ أَنَّهُ أَمَرَ بِقَتْلِ عُثْمَانَ، وَكَانَ عَلِيٌّ يَحْلِفُ - وَهُوَ الْبَارُّ الصَّادِقُ بِلَا يَمِينٍ - أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ، وَلَا رَضِيَ بِقَتْلِهِ، وَلَمْ يُمَالِئْ عَلَى قَتْلِهِ. وَهَذَا مَعْلُومٌ بِلَا رَيْبٍ مِنْ عَلِيٍّ ﵁.
فَكَانَ أُنَاسٌ مِنْ مُحِبِّي عَلِيٍّ وَمِنْ مُبْغِضِيهِ يُشِيعُونَ ذَلِك عَنْهُ: فَمُحِبُّوهُ يَقْصِدُونَ بِذَلِك الطَّعْنَ عَلَى عُثْمَانَ بِأَنَّهُ كَانَ يَسْتَحِقُّ الْقَتْلَ، وَأَنَّ عَلِيًّا أَمَرَ بِقَتْلِهِ. وَمُبْغِضُوهُ يَقْصِدُونَ بِذَلِك الطَّعْنَ عَلَى عَلِيٍّ، وَأَنَّهُ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ الْخَلِيفَةِ الْمَظْلُومِ الشَّهِيدِ، الَّذِي صَبَّرَ نَفْسَهُ وَلَمْ يَدْفَعْ عَنْهَا، وَلَمْ يَسْفِكْ دَمَ مُسْلِمٍ فِي الدَّفْعِ عَنْهُ، فَكَيْفَ فِي طَلَب طَاعَتِهِ وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي يَتَسَبَّبُ بِهَا الزَّائِغُونَ عَلَى الْمُتَشَيِّعِينَ الْعُثْمَانِيَّةِ، وَالْعَلَوِيَّةِ.
وَكُلُّ فِرْقَةٍ مِنْ الْمُتَشَيِّعِينَ مُقِرَّةٌ مَعَ ذَلِك بِأَنَّهُ لَيْسَ مُعَاوِيَةُ كُفْئًا لِعَلِيِّ بِالْخِلَافَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَلِيفَةٌ مَعَ إمْكَانِ اسْتِخْلَافِ عَلِيٍّ ﵁ فَإِنَّ فَضْلَ عَلِيٍّ وَسَابِقِيَّتَهُ، وَعِلْمَهُ، وَدِينَهُ، وَشَجَاعَتَهُ، وَسَائِرَ فَضَائِلِهِ: كَانَتْ عِنْدَهُمْ ظَاهِرَةً مَعْرُوفَةً، كَفَضْلِ إخْوَانِهِ: أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ ﵃.
وَلَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْ أَهْلِ الشُّورَى غَيْرُهُ وَغَيْرُ سَعْدٍ، وَسَعْدٌ كَانَ قَدْ تَرَكَ هَذَا الْأَمْرَ، وَكَانَ الْأَمْرُ قَدْ انْحَصَرَ فِي عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ؛ فَلَمَّا تُوُفِّيَ عُثْمَانُ لَمْ يَبْقَ لَهَا مُعَيَّنٌ إلَّا عَلِيٌّ ﵁ وَإِنَّمَا وَقَعَ الشَّرُّ بِسَبَبِ قَتْلِ عُثْمَانَ، فَحَصَلَ بِذَلِك قُوَّةُ أَهْلِ الظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ وَضَعْفُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ، حَتَّى حَصَلَ مِنْ الْفُرْقَةِ وَالِاخْتِلَافِ مَا صَارَ يُطَاعُ فِيهِ مَنْ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ بِالطَّاعَةِ؛ وَلِهَذَا أَمَرَ اللهُ بِالْجَمَاعَةِ والائتلاف، وَنَهَى عَنْ الْفُرْقَةِ وَالِاخْتِلَافِ؛ وَلِهَذَا قِيلَ: مَا يَكْرَهُونَ فِي الْجَمَاعَةِ خَيْرٌ مِمَّا يُجْمِعُونَ مِنْ الْفُرْقَةِ.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي فِيهِ: «إنَّ عَمَّارًا تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» (١) فَلَيْسَ فِي كَوْنِ عَمَّارٍ تَقْتُلهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ مَا يُنَافِي مَا ذَكَرْنَاهُ، فَإِنَّهُ قَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ
(١) رواه البخاري ومسلم.
1 / 57