Muassis Misr Haditha
الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة
Genres
72
ومن ثم سعى محمد علي - وحصل فعلا - إلى إنشاء فرقاطتين وسفينة حربية في مرسيليا، وهكذا لم يبدأ محمد علي بأن ينشئ لنفسه جيشا على الطراز الأوروبي فقط، بل وأن يكون له سفن حربية تمكنه من مكافحة اليونان، وأيضا مكافحة أسطول السلطان نفسه في يوم من الأيام لا يستطيع التكهن به بصفة خاصة.
الفصل الثالث
عماد الإمبراطورية
الحرب اليونانية
كان من نتائج فتح بلاد العرب والسودان تنظيم جيش محمد علي، وتأسيس قوة بحرية، واتساع نفوذ الباشا وسلطانه إلى حد بعيد. على أن تقدمه هذا لم يؤد إلى هذه اللحظة إلى اشتباك في عراك مع إحدى الدول الأوروبية؛ فقد كانت سياسة فرنسا وقتئذ بعيدة عن كل عدوان، ثم إذا كان هناك بعض أفراد من الإنجليز ينظرون إلى استخدام الضباط الفرنسيين بعين الغيرة؛ فإن لندن نفسها لم يبد عليها شيء من القلق. هذا بينما كانت كلكتا أكثر ميلا إلى التعاون على توطيد دعائم الأمن العام بدلا من مقاومته في المناطق المهمة التي تروج فيها سوق التجارة الهندية الخارجية،
1
وقد أخفقت حتى الآن كافة محاولات الباب العالي لتوريط محمد علي في نزاع مع بريطانيا.
وفي أبريل سنة 1821م اغتنم اليونانيون فرصة الفتنة التي أشعل علي باشا نارها في يانينا فرفعوا راية العصيان، وكان يوجد نحو 20000 من المسلمين موزعين في أنحاء البلاد فلم يشعروا إلا وقد بدأ اليونانيون في الاعتداء عليهم، فالتجأ من استطاع منهم إلى الحاميات التركية، أما الباقون فقد أبيدوا عن بكرة أبيهم. ومن ثم بدأت محاصرة الحاميات؛ فاستسلم بعضها بعد الحصول على وعد بالأمان وسلم البعض الآخر نزولا على حكم العقل ومنطق الحوادث.
بيد أن هذا لم يكفل لا للأولين ولا للآخرين تمييزا في المعاملة؛ فإن اليونانيين قد أعملوا السيف فيهم جميعا. وقد تمكن 3000 يوناني من هزيمة 5000 تركي بالقرب من تريبولتزا، وكانت نتيجة هذه الموقعة أنهم قد استولوا على هذا المكان وكذا نافار، ولم يراع الثوار شروط التسليم في كلا هذين المكانين، بل قتلوا في تريبولتزا ما لا يقل عن 8000 من رجال المسلمين ونسائهم وأطفالهم. وقد تلت هذه الحوادث طبعا مذبحة عظيمة في الآستانة وغيرها ذهب اليونانيون ضحية لها؛ حيث شنق بطريرك الروم وأربعة من كبار الأساقفة وقتل على أقل تقدير يوناني واحد في نظير كل مسلم سقط ضحية حوادث المورة، بل إن شيخ الإسلام - وهو كبير رجال الدين في الآستانة - قد عزل من منصبه وخرج مغضوبا عليه لمحاولته وقف تيار هذا الانتقام.
Unknown page