Muassis Misr Haditha

Cali Ahmad Shukri d. 1360 AH
45

Muassis Misr Haditha

الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة

Genres

65

وكان معسكر أسوان في البداية يحتوي على شبان المماليك، وجماعة الرقيق السودانيين، ولكن الأخيرين قد خيبوا ما كان معقودا عليهم من الآمال. نعم؛ إنهم كانوا على جانب عظيم من الشجاعة ولين العريكة ، وقد خضعوا صابرين للنظام العسكري وأحسنوا دراسة تمريناتهم، ولكن طبيعتهم لم تكن تعرف مقاومة الأمراض، فكانوا يموتون بالعشرات؛ فالأمراض التافهة التي لم تكن تقضي على الجنود الأوروبية أو العربية بملازمة الفراش كانت تفتك في السودانيين فتكا ذريعا. ولذلك كنت تراهم يموتون كالأغنام، فلم يحل عام 1814م حتى كان عددهم في معسكر أسوان 20000، ولكن لم يبق من هذا العدد في ذلك العام نفسه أكثر من 3000 شخص.

ولعل مرجع هذا الفشل - الذي يختلف كل الاختلاف عن تجاربنا في تلك الأصقاع - أن جنود محمد علي لم يكونوا أحرارا بل كانوا أرقاء.

وقد أدى الإخفاق في استغلال ذلك المورد العسكري المنتظر إلى العمل بالنصيحة التي أبداها دورفيتي - قنصل فرنسا العام - بتطبيق فكرة التجنيد على الفلاحين في مصر. ولعل هذه الفكرة خطرت من تلقاء نفسها بعد ما شوهد من النجاح العظيم في تطبيق النظم الأوروبية على الهنود في الجيش البريطاني، ولكن كل مقارنة من هذا القبيل يقلل من شأنها أنه لم يحلم إلى الآن أحد باستخدام الفلاح المحتقر كجندي، بينما أن الجندي الهندي كان طيلة حياته من صميم الطبقة العسكرية.

على أن الاقتراح باستخدام الفلاحين سرعان ما وضع موضع التنفيذ، ولكن نظرا لخروجه عن المألوف فقد أدى إلى حدوث القلاقل والفتن في بعض الأقاليم،

66

وإن كان هذا لم يمنع من إرسال 30000 من الفلاحين إلى أسوان وسمح للكولونيل سيف بزيادة ما لديه من المدربين الأوروبيين الذين جعل لهم هذا الضابط الفرنسي سمعة سيئة بعد أن عين رئيسا لهم، فقد وصفهم بأنهم جماعة من اللاجئين ممن قذفتهم إسبانيا أو نابولي أو بيدمونت، وأنهم لا يعرفون الصدق ولا عهد لهم بالأمانة أو الشرف، وبالجملة فهم أسوأ عصابة أشرار يمكن أن يعثر عليها الإنسان في أي جهة من جهات العالم.

67

وبالرغم من ذلك فقد أدوا واجبهم تحت إشراف سيف على أكمل وجه، وقد رافق صولت محمد علي في زيارة معسكر التعليم في سنة 1824م، وقد حدثنا أن من حق الباشا أن يبتهج ويفاخر بجيشه الجديد. وهو رأي قامت على صحته الأدلة العديدة في الخدمات العسكرية التي تمت فيما بعد تحت إشراف إبراهيم باشا في المورة وفي سوريا. ولعل أهم ما لوحظ من النقض بين هؤلاء الجنود عدم وجود مصلحة طبية منظمة على نحو ما يراه الإنسان في الجيوش الأخرى، ولم يكن في الاستطاعة - كما قال «صولت» - أن تغرس مدرسة للطب كما يغرس البستاني حقل البطيخ، ثم إن الفلاحين كانوا يتحولون إلى جنود بأسرع مما كانوا يتحولون إلى أطباء.

وأول ما بدأت هذه الأفكار تتجلى بشكل واضح في خلال حروبه في بلاد العرب؛ فلقد هدد قراصنة الوهابيين بقطع المواصلات البحرية بين السويس وجدة. ولذا حرص على إرسال طرادته المسلحة «أفريقيا» إلى البحر الأحمر، فلما خاب أمله في ذلك من جراء منع الإنجليز الإذن بمرورها أصدر أمره بإنشاء «فرقاطة» حربية في بمباي،

Unknown page