Muassis Misr Haditha
الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة
Genres
على أن هذا التدخل في حقوق الملكية الذي لم يغتفره الأحرار الإنجليز لمحمد علي لم يمر مصحوبا بذلك الاستهجان العام المألوف. كلا؛ بل إن الأمر لم يخرج عن بضعة اجتماعات بسيطة لا أهمية لها عقدت في الجامع الأزهر ولم تكن لها من نتيجة سوى انتزاع بضعة وعود بتحسين الحالة، وهي وعود لم يدر بخلد أحد أنها ستحترم.
57
وقد أدت هذه التصرفات المالية إلى توطيد الخزانة الأميرية في القاهرة، ومن ثم قل الخطر الناشئ عن جيش الباشا بنسبة الحرص على دفع مرتبات الجنود بانتظام. وفي نفس الوقت أخذت المسألة الخاصة بالمماليك تقترب تدريجيا من الحل الحاسم؛ فلقد رأينا بيكواتهم في سنة 1807م بسبب ما نصبه لهم محمد علي ودورفيشي من الدسائس، وبسبب الاختلاف فيما بين بعضهم والبعض، وبسبب فشل الإنجليز في الاستيلاء على رشيد من الناحية الثالثة أخذوا يهملون استغلال آخر فرصة أتاحها القدر لهم لاستعادة نفوذهم في القاهرة وفي الوجه البحري، ولكنهم كانوا لا يزالون يعتبرون هيئة خطرة يحسب حسابها، وكانوا لا يزالون يحتلون الصعيد تارة فيهددون بذلك القاهرة تهديدا فعليا أو ينسحبون إلى الجنوب نزولا على تقلبات القدر وتبعا للسيطرة العسكرية. وقد يحدث أحيانا أن تجرى المفاوضات فجأة فتسفر عن اتفاقات مؤقتة ليس في نية أحد الفريقين التقيد بها ولا أن تظل محترمة إلا بقدر ما استغرق إجراء المفاوضات من زمن،
58
وكان أشياع ألفي بك ما يزالون يعللون أنفسهم بالآمال بأن تصل إليهم حملة إنجليزية قوية جديدة، فتجهز كلية على عدوهم، ثم تعود في سفنها إلى إنجلترا. هذا بينما كان الأكثر حماسة يرى أن في الاستطاعة الحصول من الإنجليز على بعض الأموال؛ ليتمكنوا من شراء جنود محمد علي، ثم يتولون هم (أشياع ألفي بك) القضاء عليه نهائيا،
59
أما الباشا فكان قد صمم من جانبه على إذلال المماليك جميعا؛ ولذا وجه اهتمامه إلى حملهم على العودة إلى القاهرة ليعيشوا فيها تحت حمايته، ثم انقضت بعد رحيل الإنجليز عدة شهور بين مفاوضات وقتال من ناحية أخرى.
وأخيرا، قبل البيكوات في نهاية سنة 1809م المجيء للسكن في الجيزة
60
على أنهم رغم قبولهم هذا لم يصلوا إلى الجيزة قبل مرور ستة أشهر أخرى. ولما وصلوها فعلا إذا بهم كانوا أشد استعدادا للحرب منهم للسلم. ولقد ظلت جموعهم زمنا طويلا تواجه قوات الباشا، مع أن فريقا من زعمائهم قد انحاز إلى محمد علي إلا أن الأغلبية قررت استئناف القتال، ثم دارت عدة معارك تمكن الباشا فيها من التغلب على خصومه بفضل مدفعيته، وأخيرا قرر أغلب من بقي منهم على قيد الحياة أن يعلن في أوائل سنة 1816م خضوعه
Unknown page