Al-ittijāh al-siyāsī li-Maṣr fī ʿahd Muḥammad ʿAlī: Muʾassis Miṣr al-ḥadītha
الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة
Genres
وكان عهد محمد علي بهما يرجع إلى زمن الصبا، بل زمن الطفولة، فقد كانا القاعدة المعمول بها في الشرق من عهد بعيد، ولم يكن فيها ما تتقزز منه العواطف الأدبية في العقلية الشرقية. لا بل إن ضمير الغرب وهو أكثر تأنفا من ضمير الشرق لم يضق ذرعا من مسألة الرقيق ويطلب وقفها إلا منذ عهد قريب فقط وقبل ذلك لم يعمل شيئا، بل ولم يكن في الاستطاعة عمل شيء لتقييد سوق النخاسة في القاهرة أو التأثير في السلطة التي منحتها الشريعة الإسلامية للسيد على مولاه. وقد لفت المسيو دي هامل قنصل روسيا الجنرال نظر الباشا في سنة 1826م إلى الموضوع، وسأله إذا كان في استطاعته أن يشل قدرة السادة على إنزال عقوبة الموت بمواليهم أو إلحاق الأذى بهم ومعاملتهم أسوأ معاملة؛ فأنعم محمد علي النظر مليا وخيل إليه أنه قد يستطيع أن يصنع شيئا في صدد الذكور من الرقيق، ولكنه لم يعلل القنصل بشيء من الأمل فيما يتعلق بالنساء الرقيق، بل قال إنه لا يمكنه التدخل في شئونهن؛ لأن الحريم مكان مقدس ولا يسمح لقريب - كائنا من كان - بالدخول فيه،
112
ثم وقفت المسألة عند هذا الحد.
ولا بد أن ما قام بينه وبين الدول الأوروبية من النزاع حول الشئون الخارجية قد حول نظره عن الدخول في مسألة شائكة كمسألة الرقيق لم تكن له شخصيا أي رغبة في إجراء الإصلاح فيها أو تحسين شأنها.
وكانت النخاسة من أهم أركان التجارة في كافة البلاد والتي كانت تهم الباشا، وقد كانت الغارات تشن من آن لآخر على الرقيق في السودان وفي المناطق الأخرى الواقعة جنوبي السودان. ومن هناك كان الأسرى يرسلون إلى القاهرة في شكل قوافل كبيرة، وبالطبع كان من أصعب الأمور أن يحصل الإنسان على معلومات صحيحة في هذا الصدد، ولكن أحد الفرنسيين في عهد الاحتلال الفرنسي سأل قبطيا ظل مدة ثلاثين عاما يحصي عدد العبيد الذين يرسلون إلى القاهرة؛ فعلم أن عددهم لم يكن يتجاوز الأربعة آلاف سنويا،
113
ومن المحتمل أن يكون هذا العدد قد ازداد وتضاعف لأمر ما بعد أن توطد حكم محمد علي في السودان؛ فإن القارئ يذكر أن الباشا علل نفسه بإنشاء جيش كبير من هؤلاء السودانيين، وقد كان أعوان الحكومة يقومون في فصل الخريف من كل سنة للحصول على العبيد، وهكذا ظلت النخاسة في السودان امتيازا قاصرا على الحكومة وحدها.
114
ولم تكن فتوحات محمد علي في جنوب السودان هي وحدها التي كانت السبب في انتشار تجارة النخاسة، بل لقد ساعد احتلال روسيا لبلاد الكرج والحركش على تقليل عدد الرقيق الأبيض الذي كان يرسل منهما إلى الآستانة، وازداد الإقبال على الرقيق الأسود الموجود في سوق القاهرة. ومن هنا انكشف سر المسألة؛ فإن ما أوجدته الحكومة الجديدة من حسن النظام قد ساعد فريق الأجانب على التجول في أنحاء السودان بمأمن من الخطر.
ولقد تمكن أحدهم وهو الدكتور هولرويد من الحصول على تفاصيل ضافية للأماكن التي يقطنها الرقيق وللغارات التي كانت تشن عليهم وما كان ينتظر الأسرى من المعاملة، ولئن لم تكن هذه التفاصيل قد بلغت وصف فظائع هذه التجارة إلا أن بالمرستون قد استغلها لاستثارة الرأي العام في إنجلترا ضد حكومة محمد علي
Unknown page