Muassis Misr Haditha
الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة
Genres
وعلى كل حال، فإن أحوال الفلاحين تدهورت كثيرا بعد ذلك بزمن غير بعيد، ولعل ذلك لا يرجع سببه إلى فداحة الضرائب التي كانت تنوء بها الأراضي بقدر ما كان يرجع إلى نظام القرعة العسكرية الذي سأتناوله بالبحث فيما بعد ذلك؛ النظام الذي أثر أيما تأثير في قوة إنتاج القرى، في حين أن المطالبة بمال الحكومة بقيت على نسبتها الأولى دون مراعاة الأحوال الجديدة.
ونسمع ابتداء من سنة 1829م بسلسلة شكاوى من الفلاحين الذين هجروا قراهم، وعن صدور الأوامر الضارة لا ضد هؤلاء الفلاحين الذين يغادرون قراهم فحسب، بل وكذلك ضد كل من يوجد في كنفه من أبناء القرى الأخرى،
65
وقد عزا محمد علي ترك الفلاحين لقراهم إلى سببين رئيسيين الأول سوء معاملة الموظفين المحليين للفلاحين، والثاني الجهل. وبهذه المناسبة قال محمد علي: «ليس هناك إلا سيدان ألا وهما: السلطان محمود، والفلاح ... إذن فلا ينبغي أن ينظر للفلاح بالعين السيئة.»
66
وقال في مناسبة أخرى: «لا ينبغي حبس الفلاحين لإهمالهم الزراعة؛ لأن أول واجب على الحكومة هو أن تكفل رخاء الشعب ورفاهيته.»
67
ولقد خول للفلاحين أن يرفعوا شكاياتهم إلى المديرين إن أساء إليهم صغار الموظفين المحليين، لا بل وأن يرفعوا تلك الشكاوى إلى الباشا رأسا إن لم ينصفهم المديرون.
68
وكان يصحب هذا القلق المتزايد بين كافة طبقات الشعب تكدس الإيرادات المتأخرة، وقد أصدر الباشا إلى المديرين في سنة 1833م إنذارا حذرهم فيه بأنهم يكونوا مسئولين أمامه شخصيا إن لم يعملوا على أن يسدد الأهالي مال الحكومة.
Unknown page