Muassis Misr Haditha
الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة
Genres
وأثارت هذه الأنباء عاصفة من التذمر والاستياء في العاصمة الفرنسية، وأخذت الصحف الباريسية والوزراء بل وملك فرنسا نفسه يتكلمون كما لو كانت الحرب أصبح وقوعها لا مفر منه، ولكنهم كانوا يعلمون كما كان بالمرستون يعلم أن الحرب غير واقعة. وبهذه المناسبة كتب بالمرستون إلى هودجز يقول: «إن فرنسا لن تستطيع.» أي الباشا؛ أن تقدم له أي مساعدة ... ثم إن تعوزها الوسائل لتنفيذ عزيمتها فيما لو أرادت مساعدته.
نعم؛ إن لها 15 سفينة في البحر المتوسط، ولكن هذا هو كل أسطولها، ثم إن لها جيشا يبلغ عدده 60 ألفا يرابط في الجزاير، وهو في حاجة إلى عدد كبير من جنود الاحتياطي لسد النقص الذي «يسببه المدافعون الجزائريون والحمى»؛ فكيف يسع فرنسا في هذه الحالة أن تشتبك في الحرب مع أقوى الدول العسكرية في القارة الأوروبية.
90
وكان ثاني ما علل به المسيو تير نفسه من الآمال أن يستمر الحوار، وتظل المسائل معلقة بحيث لا يبت النزاع نهائيا ريثما يأتي الشتاء فتتفرق من الأساطيل المحاصرة وتقف حركات الجنود، وإذ ذاك يتمكن من تحطيم ذلك الاتفاق الذي عقدته الدول ويثبت نفوذ فرنسا من جديد، وإذا جعل هذه الغاية نصب عينيه فقد نصح للباشا بتقوية مركزه والتزام خطة الدفاع وعدم التزحزح قيد شعرة عن موقفه،
91
ولقد كانت نصيحته هذه أسوأ نصيحة يمكن تقديمها؛ إذ لا ريب في أن مواصلة الزحف بغتة على الآستانة ربما كان يؤدي إلى حدوث تطور أساسي يتمكن معه الباشا من الحصول على شروط مرضية وأدنى إلى تحقيق مآربه، أما أن يرفض شروط الحلفاء ثم يكتفي بمجرد المقاومة السلبية فقد كان معناه الهزيمة بعينها، وهذا هو أيضا نفس ما حسب بالمرستون حسابه؛ إذ قال: «إن فرنسا سوف تنتظر وتتحين الفرصة، حتى إذا ما استطاع محمد علي مقاومة الحلفاء أمدا طويلا عرضت فرنسا أن تتدخل في الأمر كوسيط، ولكن مهمة الدول الأربع تنحصر في تضييق الخناق على محمد علي بحيث لا تدع لفرنسا فرصة كالتي تعلل بها نفسها.»
92
ولقد ظل باشا مصر رافعا رأسه عاليا إزاء ذلك الاتفاق الدولي الخطير الذي كانت عراه تتوثق تدريجيا ضده، ولعل الأرجح أنه اعتقد أن من المستحيل أن تتفق فعلا كلمة الدول على خطة معينة للعمل في مسألة كانت على الدوام سببا في اختلاف تلك الدول وانقسامها بعضها على بعض أشد انقسام، وكان يعتمد على روسيا وفرنسا أن تلغيا عمل إنجلترا فيما لو قررت هذه أن تقوم بعمل ما، وعندما صدرت إلى هودجز التعليمات بأن يستحث ضباط الأسطول العثماني على أداء واجبهم بالالتفاف حول راية السلطان والخليفة
93
نهض الباشا واقفا من مقعده وأقسم بأغلظ الأيمان ليطلقن الرصاص على أول من تحدثه نفسه بالفرار؛ ومن ثم قرر هودجر أن الأصوب ألا ينفذ التعليمات الواردة له،
Unknown page