Money in the Noble Qur'an
المال في القرآن الكريم
Edition Number
الأولى ١٣٩٦ هـ-١٩٧٦ م
Publication Year
بغداد
Genres
الكتاب: المَالُ في القُرْآنِ
المؤلف: محمود محمد غريب، من علماء الأزهر الشريف والموجه الديني لشباب جامعة القاهرة
وافقت وزارة الإعلام العراقي على نشره ٢١٨ / ١٩٧٦
الطبعة: الأولى ١٣٩٦ هـ - ١٩٧٦ م - بغداد
عدد الأجزاء: ١
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
1 / 2
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
في هذا اللقاء
*لا تبعية في الزكاة
حق الفقير. إخفاء الصدقة. وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ
* حق الجماعة
الاحكتار. لَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ
ما يضر بالجماعة ممنوع. الجمود والسيولة.
* قيمة الإنسان في الإسلام.
الخلود لا يشترى بالمال.
* الفقر الشريف
الفقر الذي امتدحه الإسلام. التوكل والتواكل
الربا والفطرة. القرض الحسن.
* آية الدين وشهادة النساء.
* مصادر الكسب.
اليد العاملة يكرمها. والعاطلة يعلمها.
والعاجزة يطعمها. والعابثة يقطعها.
1 / 3
* عمل الرجال شرف.
وعمل النساء ضرورة.
وعمل الأمم حياة.
أمة تصنع السدود.
* الميراث الإسلامي
منهجه في تفتيت التركة.
عدالة ميراث النساء.
* وبعد.....
* * *
1 / 4
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، وسلام على النبي المصطفى.
أما بعد:
نظرة الإسلام للمال تدل على أصالة هذا الدين فهي تخالف النظرة الدينية السابقة عليه.
ذلك لأن طغيان المادِّيَّة في الفكر اليهودي يقابله روحانية النصرانية وانشغالها بملكوت السماء تاركة (ما لقيصر لقيصر.... وما لله لله)
وقد وضع الإسلام منهجه في المال على الأُسُس الآتية.
1 / 5
أولًا: ملكية المال لله
قال تعالى ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ (سورة النور آية ٣٣)
ثانيًا: الإنسان مستخلف في المال فقط
قال تعالى ﴿وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ (سورة الحديد آية ٧)
ثالثًا: مالك المال حرٌّ في تنمية ماله
وهذه الحرية مشروطة بعدم الضرار بالجماعة الإنسانية والجماعة لها حق معلوم في هذا المال أقل هذا الحق ألا تضرَّ الجماعة بهذا المال.
رابعًا: المال وسيلة لا غاية
وهو ممدوح في القرآن إذا كان طاهر المصدر. طيب الإنفاق.
* * *
1 / 6
وبشيء من الإيجاز والعمق أقدم للقارئ الكريم هذه السطور موضحًا ومدافعًا.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
محمود غريب
1 / 7
المال وسيلة
نظرة الإسلام للمال واضحة.
فهو يرى المالَ وسيلةً لا غاية.
ويعتبر المالَ خيرًا إذا كان في يد مؤمن وأنفقه مالكه في مجال الخير. ليحققَ به عفة في الدنيا. وسعادة في الآخرة.
قال تعالى ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ﴾
(سورة البقرة آية ١٨٠)
وقال جل ذكره ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾
(سورة العاديات آية ٧)
والمراد من الخير في الآيتين هو المال
1 / 8
لذلك امتدح الرسول ﷺ المال الصالح في يد العبد الصالح وما دام المال مال الله.... والإنسان مستخلَفٌ فيه فقط فالإسلام يبني على ذلك التشريعات الآتية:
* * *
1 / 9
حق الفقير
أكَّد الإسلامُ حقَّ الفقيرِ في المال.
واعتبر الجزء الذي يصل إلى الفقير هو محض حقه المعلوم في مال الغني.
ذلك لأن مالك المال عندما يدفع للفقير جزءًا من ماله فإنه يبرئ ذمته. ويطهّر ماله. ويرضي ربه وقد أكد القرآن هذا المعنى.
قال تعالى ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾
(سورة الأنعام آية ٤١)
﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ﴾
(سورة الأسراء آية ٢٦)
﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾
﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾
(سورة المعراج آية ٢٤)
1 / 10
والقرآن عندما يؤكد هذا المعنى فإنه يصحح فهم الذين يدّعون أن الإسلام يهدف من الزكاة إيجاد نوع من التبعية للغني.
وأسأل ...
من أين تأتي التبعية والفقير يأخذ محض حقه المعلوم؟
بل وكثيرًا ما يدفع صاحبُ المال زكاة أمواله إلى بيت مال المسلمين.
والدولة تقوم بتوصيله للفقير عطاء وخدمات.
من أين تأتي التبعية إذًا؟
ومن لطائف القرآن أنه لم يستعمل كلمة "حقه" إلا فيما يأخذه الفقير من مال أو ثمر، على أن الإسلام قد راعى مشاعر الفقير وحافظ على إنسانيته حفاظًا شديدًا.
وذلك عندما أمر بإخفاء الصدقة. وعدم المنَّ بها
1 / 11
كما أوصى باختيار نوع الصدقة التي تقدم للفقير والآن مع نصوص القرآن.
* * *
إخفاء الصدقة:
قال تعالى: ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾
(سورة البقرة آية ٢٧٢)
والذي أفهمه من الآية الكريمة.
أنها قسمت الصدقات إلى قسمين.
قسم يُعطَى للمشاريع الخيرية، فإعلانه ممدوح شرعًا لتحريض على فعل الخير - مع الحرص على الإخلاص.
وقسم يُعطَى للفقير فيجب إخفاءه حرصًا على كرامته
1 / 12
قال تعالى:
﴿وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾
وقد أخبر النبي ﷺ أن من تصدق فأخفى صدقته مع السبعة أصناف الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه.
وإخفاء الصدقة حفاظ على مشاعر الفقير.
* * *
1 / 13
ثانيًا: تحريم المنِّ
حرمّ الإسلام المنَّ على الفقير بعد إعطائه الصدقة
قال تعالى:
﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٦٢) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (٢٦٣) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (٢٦٤) وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (سورة البقرة)
1 / 14
أمَّا قوله تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (٨) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾ (سورة الدهر آية ٩)
فأحبُّ أن أوضح أن القرآن قد صوَّر حالتهم النفسية من الإخلاص بقوله تعالى ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ﴾
فهم لم يقولوا ذلك بألسنتهم ولكن علم الله ذلك في قلوبهم.
فكأنَّ لسان حالهم يقول للفقراء هذا الكلام.
* * *
ثالثًا: اختيار الصدقة
أوجب القرآن على المؤمنين اختيار الصدقات.
فلا يجوز اختيار الرديء من الثمر استهانةً بالفقير
قال تعالى ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾
(سورة آل عمران آية ٩٢)
1 / 15
وقال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾
كل هذه المعاني تؤكد مراعاة الإسلام لمشاعر الفقير واحترام شخصه.
قل لي - بالله عليك - من أين تأتي التبعية والفقيرُ يأخذُ حقَّه المعلوم؟
* * *
حق الجماعة
احترم الإسلامُ الملكيةَ الفردية.
ومع ذلك أكَّد حق الجماعة في المال.
1 / 16
فجعل للمالك الحق في التصرف في ماله بشرط عدم الإضرار بالجماعة.
١ - حرَّم الاحتكار
فلا يجوز للمالك أن يحتكر أقوات الناس طلبًا لرفع الثمن.
وموقف الإسلام من الاحتكار شديد. فقد جاء في صحيح مسلم "لا يحتكر إلاّ مخطئ"
وروي عن النبي ﷺ: من احتكر أقوات المسلمين أربعين يومًا ثم تصدق بها لا يقبل الله منه.
* * *
٢ - كما حرَّم بخس الثمن.
فلا يجوز للمشتري أن يستغل حاجة البائع وينقص الثمن
1 / 17
قال تعالى: ﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾
قإذا قالت المادِّيَّة: إن الحياة فرص، والبائع سيقبل بأي ثمن.
قال الإيمان المتدفق في القلوب: ﴿بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (سورة هود آية ٨٦)
* * *
٣ - حرَّم التنمية بما يضرُّ الجماعة
مراعاةً لحقوق الجماعة حَرَّم الإسلامُ على صاحب المال إنتاجَ أو بيعَ ما يضرُّ الجماعة.
* سواء كان الضرر لدينهم كبيع كتب الإلحاد.
* أو الضرر لعقولهم كبيع الخمور والمخدرات.
* أو الضرر لصفوفهم كبيع السلاح للأعداء.
إن الإسلام يمزج بين الاقتصاد والعقيدة حتى
1 / 18
يجعل من ضمير المسلم رقيبًا على تصرفاته.
وقد سجَّل القرآن الحوار البديع الذي دار بين سيدنا شعيب النبي وبين قومه
قال تعالى:
﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (٨٤) وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٨٥) بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (٨٦) قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾ (سورة هود)
وواضح ان القوم تعجبوا من نبيهم عندما طلب منهم تنظيم المال تنظيمًا تراعى فيه حقوق الجماعة وحقوق الفقراء.
1 / 19
كما أن الآية تربط بين العقيدة والتطبيق العملي للإيمان. لأن حلَّ المشاكل الاقتصادية في ضوء الفكر القرآني دليل على صدق الإيمان ورسوخه في النفس
وهذا ما يهدف إليه الحوار المذكور.
إن القرآن يعالج مشاكل اليوم بأخبار الأمس وهذا بعض هدف القصة القرآنية.
* * *
٤ - الجمود والسيولة
احترامًا لحق الجماعة في المال يكره الإسلام جمود الثروات.
إن تنمية الأموال - في الأعمال النافعة - أداه لرسالة المال.
وقد فرض الإسلام الزكاة في المال المحبوس - الذي لا يستخدم في المشاريع النافعة - كما
1 / 20
فرضها في المال المستخدم في التنمية.
وذلك حتى يدفع أصحابَ رؤوس الأموال إلى تنمية أموالهم.
إن المال الجامد ينقص منه كل عام ١/٤٠ من قيمته وذلك قيمة الزكاة.
وقد أمر النبي ﷺ الأوصياء على اليتامى أن يتاجروا في أموال اليتامى حق لا تأكلها الصدقة.
والإسلام ينزع ملكية الأراضي الزراعية التي يدفعها الإمام إلى من يحييها ويزرعها فتمضي أعوام ثلاثة ولم تزرع الأرض.
ينزعها الإسلام ويعطيها لمن يزرعها.
إن حبس الأرض وتعطيلها عن رسالتها ظلم
1 / 21