Misr Wa Hadara Islamiyya
مصر والحضارة الإسلامية
Genres
والمعروف أن في كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول حركة ترمي إلى العناية بدرس الأدب المصري الإسلامي، وقد اتجه بعض الأساتذة إلى البحث في أثر البيئة المصرية البحتة في العلوم والفنون الإسلامية التي ازدهرت في مصر.
وأكبر الظن أن وادي النيل كان مهد القصص الشعبية الشرقية، فإن هذه القصص اليت يحفظها القصاص، ويقبل العامة على سماعها أو قراءتها قد تم صوغها في مصر فاتخذت فيها شكلها الحالي، إن لم تكن قد نشأت فيها منذ البداية. والحق أن قصص عنتر، والظاهر بيبرس، وأبي زيد، وسيف بن ذي يزن يبدو عليها الطابع المصري، بالرغم من أن بعضها تدور حوادثه في بيئة غير مصرية.
ولا ريب في أن مصر كان لها نصيب وافر في «قصص ألف ليلة وليلة» التي نعرفها الآن، ولسنا ننكر أن هذه القصص مختلفة العناصر، وأن بعضها يرجع إلى العراق في القرن الرابع الهجري (10م)، ولكن البيئة التي تشير إليها بعض القصص المذكورة هي البيئة المصرية، فضلا عن أن مؤرخا مصريا اسمه القرطي كتب تاريخ مصر في عصر العاضد آخر خلفاء الفاطميين، أشار إلى وجود قصص ألف ليلة وليلة، وفضلا عن ذلك فإن في هذه القصص ما يشير إلى مصر في عصر المماليك.
6
وكانت مصر والشام مهد الموسوعات والمجاميع الإسلامية، فإن معظم الذين ألفوا الكتب الجامعة للموضوعات المختلفة كانوا من المصريين، أو كانوا من الشاميين في عصر اتحاد البلدين. فالنويري صاحب «نهاية الأرب في فنون الأدب» كان من رجال السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون، وابن فضل الله العمري صاحب «مسالك الأبصار في ممالك الأمصار» تولى القضاء بمصر في عصر المماليك، وأبو العباس أحمد القلقشندي صاحب «صبح الأعشى» كان أيضا من الموظفين المصريين في ذلك العصر، وجلال الدين السيوطي تولى الإفتاء بمصر وتوفي في بداية القرن العاشر الهجري (16م) بعد أن ألف الكتب والرسائل العديدة في التفسير والحديث والتاريخ والفقه وعلوم اللغة، وغيرها. والحق أن كتابة الموسوعات من أخص مميزات الحركة الأدبية بمصر في العصر المملوكي. ولا ننسى في هذه المناسبة أن بطرس البستاني اللبناني الأصل قام في العصر الحديث بكتابة دائرة المعارف المنسوبة إليه، وكانت رعاية هذا المشروع للخديوي إسماعيل الذي يرجع إليه الفضل في تشجيع البستاني من الناحيتين المادية والأدبية.
ومن العلماء المصريين الذين نبغوا في ميدان العلوم أبو كامل شجاع ابن أسلم، وعلي بن يونس، وابن الهيثم، وعلي بن النفيس. أما شجاع بن أسلم، فقد ذاع صيته في علم الجبر في بداية القرن الرابع الهجري (10م)، وكتب فيه فزاد على ما خلفه الخوارزمي في كتابه «الجبر والمقابلة». وابن يونس اشتهر بالرياضيات والفلك في العصر الفاطمي، واخترع الرقاص أو بندول الساعة الدقاقة، وكان لأرصاده الفلكية وبحوثه العلمية أثر كبير في علم الفلك. أما ابن الهيثم، فكان أكبر علماء المسلمين في الطبيعة، بل أعظم علماء الطبيعة في العصور الوسطى، ولولاه لما أتيح لعلم البصريات أن يصل إلى ما هو عليه الآن، وقد ترجم كتابه في هذا العلم إلى اللاتينية سنة 1572م، وأخذ عنه علماء أوروبا جميع معلوماتهم، ولا سيما في موضوعات انكسار الضوء، وتشريح العين، وكيفية تكوين الصور على شبكية العين.
7
وممن ازدهروا بمصر في ميدان الطب علي بن النفيس الذي كان رئيس الأطباء في مارستان قلاوون بالقاهرة، والمتوفى سنة 687ه/1288م، وقد كان فوق اشتغاله بالطب من البارزين في العلوم الدينية واللغوية والأدبية في عصره. وكتب ابن النفيس شرحا لتشريح ابن سينا وصلت إلينا نسخة مخطوطة منه، وقد ظهر من دراستها أن هذا الطبيب المصري اهتدى إلى حقيقة الدورة الدموية الصغرى «دورة الدم من البطين الأيمن في القلب إلى الرئتين ثم إلى البطين الأيسر» قبل أن يكشفها الأوربيان ميشيل سرفت
Michel Serfet
سنة 1556م، وريالدو كولومبو
Unknown page