ولكن لما كان المصريون ميالين بطبعهم إلى الرأفة، فقد نفروا من هذه الطريقة الشنيعة، ووجد الأشراف طريقة أخرى لتنفيذ فكرتهم، وهو أنهم كانوا ينحتون من الأحجار وجوها تشبه أوجه العبيد، وكانوا ينحتون مع كل عبد آلة للعمل؛ فهذا على كتفه مجرفة، وذاك في يده صندوق، وهكذا.
وكانوا يسمون هذه الوجوه المجيبين
Answerers ، فإذا دفن أمير دفنوا معه جملة منها، حتى إذا وصل السماء ودعي للقيام بعمل في حقل البردي، ناب عنه في العمل المجيبون؛ ولهذا نجد مع الأجسام المحنطة كثيرا من هذه الوجوه، مكتوبا عليها أسطر تخبر العبد عن العمل الذي سوف يقوم به في الدنيا السفلى، وإليك مثل منها:
أيها المجيب، إذا دعاني أحد لأعمل أي شيء في السماء كأن أروي حقلا أو أحمل رملا، ينبغي عليك أن تصيح «أنا هنا.»
يالها من فكرة غريبة عن السماء! والأغرب منها ظن الأمراء بأنهم يستطيعون تجنب العمل والتعب في الدنيا الأخرى بهذه الوجوه الطينية.
ولكن يجب علينا ألا ننسى أن المصريين توصلوا كذلك لمعرفة جانب عظيم من الحقيقة التي قررتها الأديان التوحيدية، فكانوا يعتقدون بأن أفعال الإنسان في الدنيا هي التي تقرر مصيره في الآخرة، وأن الشرير وإن نجا من العقاب في الدنيا، فالآلهة لا تتركه في الدنيا الأخرى بلا حساب أو عقاب.
ومن الإنصاف أن نذكر أن هؤلاء القوم الذين دلوا على عبقريتهم في أحوال كثيرة، لم يكونوا إلا أطفالا بالنسبة للزمن والعلم، وهم مثل الأطفال في تكوينهم الأفكار الخاطئة المضحكة عن الأشياء التي يجهلونها ولا يستطيعون فهمها، ومثل الأطفال، أيضا يمدون أيديهم في الظلام، يبحثون عن أبيهم المحبوب وهم يجهلون مكانه.
فلا حاجة للغرابة إذا أخطئوا في ذلك الزمن وضلوا الطريق.
وإنما يحق لنا أن نعجب كيف أن الله الذي هداهم إلى تلك الأفكار السامية، وعلمهم تلك الفنون العظيمة، قد ترك لنفسه شواهد تدل عليه حتى في تلك الأيام المنطوية.
Unknown page