331

Tārīkh Miṣr fī ʿahd al-Khidīw Ismāʿīl Bāshā

تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا

Genres

ولعدم وجود كتب مطبوعة في هذه الفنون وغيرها، إذ ذاك، كان التلامذة يكتبون الدروس عن المعلمين في كراريس، كل على قدر اجتهاده في استيفاء ما يلقيه المعلمون، وكان المعلمون يومئذ يبذلون غاية مجهودهم في التعليم، فكان يندر أن يستوفي تلميذ في كراسه جميع ما يلقى إليه، خصوصا الأشكال والرسوم، ولذلك كان الأمر إذا تقادم أو خرجت التلامذة من المدارس يعسر عليهم استحضار ما تعلموه، فكان يضيع منهم كثيره.

وفي آخر مدة المهندسخانة كانوا يطبعون بمطبعة الحجر بعض كتب، فاستعان بها التلامذة، وحصل منها نفع، ثم تكاثر طبع الكتب شيئا فشيئا، لا سيما في عهد (إسماعيل) وما بعده، فصارت تطبع الفنون بأشكالها ورسومها، فسهل بذلك تناولها واستحضار ما فيها.

ثم في سنة 1260 عزم العزيز على إرسال أنجاله إلى فرنسا ليتعلموا بها، وصدر أمره بانتخاب جماعة من نجباء المدارس المتقدمين ليكونوا معهم، وحضر سليمان باشا الفرنساوي إلى المهندسخانة فانتخب عدة من تلامذتها، فكان علي فيهم.

وكان ناظرها يومئذ لمبير بك، فأراد أن يبقيه في المهندسخانة، ليكون معلما بها، ولكن عليا عرض على سليمان باشا أنه يريد السفر مع المسافرين، وجعل الناظر يحتال عليه، وأحال عليه الخوجات ليثبطوه عن السفر، وقالوا له: «إن بقيت ها هنا تأخذ الرتبة حالا، وتترتب لك الماهية، وإن سافرت تبقى تلميذا، وتفوتك تلك المزية.»

ورأى علي أن سفره مع الأنجال مما يزيده شرفا ورفعة واكتسابا للمعارف، فصمم على السفر، مع أنه يعلم أن أهله فقراء، ويعود عليهم النفع من الماهية، وهم منتظرون لذلك، لكنه رأى الكثير الآجل خيرا من القليل العاجل.

فسافر إلى تلك البلاد مع من تقدم لنا ذكر أسمائهم آنفا من الأمراء وأولاد الأعيان، وجعل مرتبه كل شهر 250 قرشا كرفقته، فجعل نصفها لأهله، يصرف لهم من مصر كل شهر - وكانت هذه سنته معهم منذ دخل المدارس - فأقاموا جميعا في باريس سنتين في بيت واحد مختص بهم، ورتب لهم المعلمون لجميع الدروس، والضباط والناظر من الجهادية الفرنساوية، لأن رسالتهم كانت عسكرية، وكانوا يتعلمون التعليمات العسكرية كل يوم.

وكانت معلومات أفراد الرسالة مختلفة، فبعضهم له إلمام بالتعليمات العسكرية فقط، مثل الذين أخذوا من الطوبجية والسواري والبيادة، والبعض لهم إلمام بالعلوم الرياضية، ولا يعرفون اللغة الفرنساوية، كالمأخوذين من المهندسخانة، والبعض له معرفة باللغة الفرنساوية، وكان بعض هؤلاء معلمين فيها بمدارس مصر.

فاقتضى رأي الناظر أن يجعل المتقدمين في الرياضة واللغة الفرنساوية فرقة واحدة، وأمر المعلمين أن يلقوا الدروس للجميع باللغة الفرنساوية، لا فرق بين من يفهم تلك اللغة ومن لا يفهمها، ففعلوا، وأحالوا غير العارفين بها على العارفين، ليتعلموا منهم بعد إعطاء الدروس - وكان علي ممن لا يعرفونها - فأخذ العارفون بها يبخلون على غير العارفين بالتعليم، لينفردوا بالتقدم، فمكث غير العارفين مدة لا يفهمون شيئا من الدروس، حتى خافوا التأخير، وتكررت منهم الشكوى لتغيير تلك الطريقة، وتعليمهم بكلام يفهمونه.

فلم يصغ لشكواهم، فتوقفوا عن حضور الدروس أياما، فحبسوهم، وكتبوا في حقهم للعزيز، فصدر أمره بالتنبيه عليهم بالامتثال، ومن يخالف يرسل إلى مصر محددا.

فخافوا عاقبة ذلك، وبذل علي جهده، وأعمل فكره في طريقة يحصل له منها النتيجة، ومعرفة اللغة الفرنساوية، فسأل عن كتب الأطفال، فنبأوه عن كتاب، فاشتراه، واشتغل بحفظه، وشمر عن ساعد الجد في الحفظ والمطالعة، ولزم السهاد، وحرم الرقاد، لا ينام من الليل إلا قليله، حتى أصبح ذلك ديدنه، فحفظ الكتاب بمعناه عن ظهر قلبه، ثم حفظ جزءا عظيما من كتاب التاريخ بمعناه أيضا، وحفظ أسماء الأشكال الهندسية والاصطلاحات - كل ذلك في الثلاثة الأشهر الأول.

Unknown page