Misr Khadiwi Ismacil
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
Genres
المظهر الثالث:
العناية بالعلوم، ورفع شأنها وشأن القائمين برفع منارها، وتوسيع دائرتها. (فإسماعيل)، لكي يدرك غرضه الثالث، وأعني به إقامة مصر في مصاف الدول العظمى، لم يفتر لحظة، منذ أن جلس على العرش إلى أن أحاطت به المصاعب المالية، عن بذل أقصى جهوده في سبيل جعل بلاده تتجلى في ثياب تلك المظاهر الثلاثة، وتتحلى بحقيقتها، وهو ما سنبينه مفصلا في الفصول التالية.
الفصل الأول
القوة المادية واتساع السلطان بالفتح والاستعمار1
أيقنت أني ذو حفاظ ماجد
من نسل أملاك ذوي أتواج
جحدر بن ربيعة
أمام مصر - إذا ابتغت فخار الفتوح ومجد السلاح - ميدانان: الميدان الشرقي، من شماليه إلى جنوبيه، والميدان الجنوبي، من شرقيه إلى غربيه، فيمكنها تسيير أعلامها نحو بلاد فلسطين، واليهودية، وفينقية، والجليل، وسوريا، وتتجاوزها زحفا: إما إلى ما وراء جبال طورس من جهة، وإما إلى ما وراء الصحراء السورية من جهة أخرى، أو يمكنها أن تصعد بتلك الأعلام مجرى النيل من جهة، وتسير بها منصورة في بلاد النوبة تدوخها من غربيها إلى شرقيها، أو تجتاز بها القلزم من جهة أخرى، وتقيمها خافقة في سماء العز فوق ربى اليمن، وغيرها من البلاد العربية الجديرة بالاستعمار.
وتاريخ أيامها الماضية العسكرية، كلما اتقدت روح الفتح في صدور فراعنتها أو أمرائها أو خلفائها أو ملوكها وسلاطينها، إنما هو عبارة عن وثبها بجحافلها، وكتائبها وكراديسها إلى أحد ذينك الميدانين، أو إلى كليهما معا.
فبينما الأسرة الثانية عشرة الفرعونية - وهي بلا مكابرة خير أسرة جلست على العرش المصري القديم - وجهت وجهها على الأخص شطر الميدان الشرقي، وأقامت مظال سلطانها على فيافي شبه جزيرة سيناء وربوع فلسطين، قد تناولت مطامع الأسرة الثامنة عشرة المجيدة الميدانين معا، وسار فراعنتها؛ لا سيما (حاتاسو) - سميراميس وادي النيل - وطوطمس الثالث - إسكندر الأيام المصرية القديمة ونابوليونها - بجحافلهم المنصورة، تارة إلى ضفاف نهري الفرات والسدنس شمالا، وإلى اليمن السعيدة وبلاد حضرموت جنوبا، وطورا إلى أعماق النوبة، وما وراء الشلال الرابع. بل إن طوطمس الثالث لم يهب الفيافي الليبيبة، وولج بجنوده البواسل الميدان الغربي المخيف، وأخضع لسلطان أحكامه الحكيمة الأمم الوحشية القاطنة ما وراء تلك البيد بقدر ما كان يمكن في تلك الأيام، إخضاع قبائل تنتقل بخيامها ومظالها في شاسع أرجاء الصحاري الأفريقية لسلطة منظمة.
Unknown page