225

Misr Khadiwi Ismacil

تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا

Genres

وبعد أن مهد (إسماعيل) السبيل لنجاح مسعييه بباريس؛ حتى أصبح تحقيقهما لديه أمرا غير مشكوك فيه، سافر إلى إنجلترا على ظهر سفينة حربية فرنساوية، وضعها الإمبراطور نابوليون تحت تصرفه، مبالغة في إكرامه، وإظهارا لصداقته له، فحيته قلاع دوڨر، ومدافع فرقاطتين إنجليزيتين أرسلتا خصيصا لإكرامه؛ وقوبل، على الميناء، بكل مظاهر الاحتفاء بمجيء ملك من الملوك، ولما نزل في محطة تشيرنج كروس بلندن، وجد حرسا قائما لتأدية التحية العسكرية له ومواكب ملكية موضوعة رهن إشارته، ولكن، فيما عدا ذلك، فإن الحكومة الإنجليزية أرادت مجاملة (عبد العزيز) فأهملت جانب (إسماعيل)، ولم تخصه بقصر من قصور الأسرة المالكة، ولولا أن ضيافته الملكية بمصر لكبار رجال بريطانيا العظمى، الذين وردوا عليه زائرين، كانت قد أكسبته قلوبا عديدة في تلك البلاد، لاضطر إلى النزول في فندق عام.

غير أن بعض كبار اللوردات هب ينتقد على الحكومة الإنجليزية إهمالها شأن «خديو مصر» الكريم، وأسرع اللورد ددلي، ووضع، تحت تصرفه، قصره الجميل - وكان يضارع أفخم القصور الملكية في أوروبا حسنا، ونفاسة رياش - وقامت الصحف اللندونية تطريه، وتثني عليه، وتنعته بأجمل النعوت، قائلة عنه: «إنه أحذق حكام الشرق وأوسعهم نورا في عقليته» وترحب به ترحيبا جميلا.

فرأت الملكة ڨكتوريا أن تشارك شعبها في شعوره؛ وبعد مضي يومين على وصول (إسماعيل) إلى بلادها استقبلته في «وندزر كسل » بمعية ولي عهدها، استقبالا شائقا ملكيا، ثم جمعت معا بين إكرامه وإكرام (عبد العزيز)، فاستعرضت الأساطيل البريطانية في برتسمث، إجلالا لهما؛ ودعتهما، الواحد بعد الآخر، إلى ولائم فاخرة، أولمتها لهما خصيصا، واقتدت بها بلدية لندن؛ فأقامت، لكل منهما، حفلة استقبال حافلة في «الجيلد هل» الشهيرة!

فكان ذلك جميعه بمثابة اعتراف شبه رسمي من الحكومة والأمة البريطانيتين بمساواة (إسماعيل) بعبد العزيز، مساواة تكاد تكون تامة، وهو أقصى ما كان «خديو مصر» يمني نفسه به، فاتخذه، والحالة هذه، سابقة يرجع إليها، يوم يحين الأوان لإعلانه استقلاله، إعلانا صريحا، ومطالبته الدول بالاعتراف به اعترافا رسميا.

لذلك، ولوثوقه من فرنسا وإمبراطورها، وثوقا كليا، عاد إلى مصر من سفره إلى المعرض منشرح الفؤاد انشراحا لا مزيد عليه - بعد أن عرج على الأستانة كما تقدم وأدب فيها وليمة فاخرة للسلطان، مساء يوم السبت 31 أغسطس سنة 1867، في قصره الجميل بميركون، السابق مشتراه على ضفاف البسفور، وإعداده إعدادا فائقا ليكون جديرا بحلوله فيه، مع حاشيته، عند ذهابه إلى دار الخلافة

16

واستصدر فرمان سبتمبر سنة 1867 الذي سبق ذكره - وإنما عاد منشرحا ذلك الانشراح لأنه بلغ من إشراكه بلاده في ذلك المعرض وذهابه إليه مقصدين من المقاصد التي حملته على ذلك الإشراك، وهما:

الأول:

إظهار «مصره» متقدمة راقية، جديرة بانعطاف كبيرات الدول عليها، والأخذ بناصرها، وتوطيد الثقة التامة بماليتها، والاعتقاد بلا نهائية ثروتها في نفوس الجميع.

الثاني:

Unknown page