Misr Khadiwi Ismacil
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
Genres
وبناء على ذلك، طرحت اللجنة جانبا مشروعي تالابو وبرول، وقررت العمل بمشروع المهندسين لينان بك وموچيل بك لأسباب أهمها: أن مشروع تالابو يوجب صعوبة - وهي اجتياز النيل عند العاصمة - لا سبيل إلى التغلب عليها، إلا بإجراء عمليات هندسية هائلة، يتضائل أمامها ما عمل من هذا القبيل فيما بعد في مجرى ترعة «پانما» الحالية؛ ويتعذر جدا إجراؤها، فإذا فرض، وأمكن، نجم عن الإجراء خطران جسيمان في منتهى الفظاعة: (الأول) تعريض القناطر الخيرية إلى السقوط، والبلاد إلى الغرق؛ و(الثاني) ضرورة تسرب المياه من أسفل إلى أعلى في الأطيان المجاورة، فتصاب بجدب مستديم.
وإن مشروع برول يوجب أن تجتاز الترعة النيل، مرتين، وجميع ترع الوجه البحري المتجة شمالا، ولا سبيل إلى ذلك إلا بإقامة جسور لحفظ مياه النيل في المدى الذي يقرر، وهو ما لا يمكن عمله: لأن الفيضان يذهب بتلك الجسور ويغرق منطقة الترعة البحرية فينجم عن إنفاذ المشروع تخريب الترعة، في كل فصل يزيد النيل فيه، وإتلاف الزراعة في عموم الوجه البحري.
فلما فرغت اللجنة من أعمالها، عرضها دي لسبس على (محمد سعيد باشا) صديقه، فأصدر هذا الأمير أمرا عاليا بتاريخ 5 يناير سنة 1856 /26 ربيع الآخر سنة 1272 صدق به على الامتياز السابق منحه منه لذلك الفرنساوي العظيم بتأسيس شركة جامعة لحفر القناة؛ ووضح بموجبه الإلزامات والتعهدات والواجبات التي تكون على تلك الشركة، مقابل المنح والامتيازات والمزايا المعطاة لها.
11
أما أهم الإلزامات، فهي وجوب تحويل بحيرة التمساح إلى ميناء داخلية، صالحة لإيواء أعظم السفن حجما؛ ووجوب دفع مرتب مندوب تختاره الحكومة المصرية لينوب عنها، ويحافظ على مصالحها لدى مجلس إدارة الشركة؛ وإيجاد عامل عال للشركة في الإسكندرية تخول له السلطة اللازمة لضمان سير العمل، وانتظام العلاقات بين الشركة والحكومة المصرية، فيما لو اختارت الشركة أن يكون مركز إدارتها في مدينة خارجة عن القطر المصري؛ ووجوب صرف خمسة عشر في المائة من صافي الأرباح السنوية للحكومة المصرية، على أن تزيد هذه النسبة كلما جددت مدة المنحة، وقدرها الأول 99 عاما، بشرط أن تتجاوز تلك النسبة 35٪ من صافي الأرباح في أي حال من الأحوال، وأن تحترس الشركة، وتمتنع بالكلية، عن كل تحيز وغرض في معاملاتها للسفن التجارية؛ فلا تفضل المنتمية منها لأمة على المنتمية منها لغيرها؛ وأن لا تزيد رسوم الاجتياز التي ستتقاضاها على عشرة فرنكات على كل طن من حمولة السفن، وعن كل فرد من المسافرين.
وأما المنح، فأهمها تخلي الحكومة للشركة عن ملكية جميع الأطيان البائرة غير المملوكة لأحد التي قد ترويها الشركة وتزرعها، وإعفاؤها من كل ضريبة، مدة عشر سنوات، ابتداء من تاريخ الشروع في تصليحها؛ وتسليم الحكومة للشركة كل الأطيان المملوكة للغير، التي قد يصبح امتلاك الشركة لها لازما لإتمام العمل واستغلال الامتياز الممنوح، على شرط أن تدفع الشركة لأصحابها التعويضات الحقة عنها؛ وإعفاء كل ما تستورده الشركة من الآلات والمواد من البلاد الأجنبية، من كل رسوم جمركية عند دخولها القطر المصري؛ وتمكين الشركة من حفر ترعة ماء عذب تذهب بمياه النيل إلى أماكن الأعمال، وتكون ملكا لها، تستغلها استغلالها لباقي أجزاء امتيازها؛ والتصريح لها بإقامة المباني، التي ترى أن عملها يستوجبها؛ وتكليف عمال الحكومة وموظفيها، عموما بمساعدة الشركة وتعضيدها، كلما احتاجت إلى ذلك، فيما تحتاج إليه؛ ووضع العدد الكافي من الفلاحين تحت تصرفها، لتشغلهم بمعرفتها، وتحت إدارتها، في أي نوع تريده وترتئيه من الأعمال والأشغال اللازمة مقابل دفع أجور معقولة لهم، واتخاذ التدابير الصحية الواقية الواجبة.
غير أن (محمد سعيد باشا) كان قد اشترط لصحة الامتياز برمته، أن يصدق عليه سلطان تركيا؛ ولو أنه كان متفقا مع دي لسبس على اعتبار ذلك التصديق مجرد مظهر رسمي، لا يؤبه له.
فذهب دي لسبس، إذا، إلى القسطنطينية، ليناله، فوجد الحكومة العثمانية منشرحة إلى المشروع، والسلطان نفسه ميال إلى نفاذه، ونال من الصدر الأعظم كتابا أكد له فيه الارتياح العام، السائد على الدوائر السياسية العثمانية للموافقة على الامتياز الممنوح، فبات متيقنا من قرب صدور الفرمان السلطاني المنبئ بتلك الموافقة، وإذا به يرى سفير إنجلترا، السير ستراتفرد دي ردكليف يقوم لمناهضته، ويمانع في التصديق، بإيعاز من اللورد بلمرستن وزير الخارجية الإنجليزية.
وكان للورد بلمرستن هذا، في ذلك العهد، الكلمة العليا في الدوائر السياسية الأوروبية، كما أنه كان للسير ستراتفرد دي ردكليف النفوذ الأكبر على دوائر الأستانة الحكومية.
فدخل المشروع، إذا، في دور سياسي لم يكن دي لسبس يتوقعه، وبدأ عهد مناقشات عنيفة، حاول خصوم المشروع التغلب عليه فيها، بالاستناد على مزاعم أهمها:
Unknown page