Misr Khadiwi Ismacil
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
Genres
على أن (إسماعيل) كان يعلم علم اليقين بأن إبطال النخاسة يستدعي، أولا، إبطال الرق بصفته حالة اجتماعية؛ لأنه علتها، ولكن أنى يتأتى إبطاله، وتقاليد شعبه، ومصالح جانب عظيم من رعاياه واقفة بجانبه، للدفاع عنه؟
ولكن عزيمته لم تكن لتنثني أمام عقبات، مهما كان نوعها، ومهما كانت جسامتها؛ وما لم يكن يستطيع مصادمته، جبهة لجبهة، كان يصادمه جنبا لجنب، فتسلح، إذا، بالمبدأ الديني القاضي بجواز تحرير كل عبد يسيء مولاه معاملته؛ وأصدر حالا بعد ارتقائه العرش أمرا بتحرير كل عبد أو أمة يثبت على سيدهما أنه أساء معاملتهما.
28
فشعر العالم المصري بأنه هوجم في عقر داره؛ وأحس بسنان الرمح الموجه إليه، يمس صميمه، فهب لدفع الهجمة والاعتصام منها، وراء حصن مبدأ ديني آخر، وهو المبيح للسيد أن يعاقب عبده أو أمته، المرتكبين سرقة، وشرع كل سيد يدفع تهمة الإساءة إلى عبده، المرتكن عليها لتجويز عتقه من ربقته، بتهمة سرقة يرمي عبده بها.
وبما أن شعور القضاة، قاطبة، كان في جانب السادة، فما من عبد نجح مطلقا في إثبات دعواه ولا نجح أحد في تحرير عبد أراد تحريره بهذه الوسيلة؛ وكاد الأمر الذي أصدره (إسماعيل) يئول إلى مجرد البقاء حبرا على ورق، لتحزب المطلوب منهم تنفيذه على عدم تنفيذه.
فعدل (إسماعيل) وجهة هجمته، وحول السلطة في الحكم في دعاوى الأرقاء الطالبين التحرير من القضاة الشرعيين إلى قناصل الدول الأجنبية، وأمر الهيئات الأهلية الحاكمة بإصدار العتق وقيده؛ كلما طالبهم قنصل بذلك.
29
فكان كأنه تجنب «شلا» للارتطام «بكاردي»
30
أو، كما يقول المثل العربي، «كالمستجير من الرمضاء بالنار» فإن القناصل لكي يرضوا الرأي الأوروبي المطالب بإلغاء الرق وإبطال الإتجار به، أخذوا يحكمون بتحرير كل مشتك، بدون تحقيق شكواه، والتثبت من صحتها، وبلغ من المتولي أعمال القنصلية البريطانية بالمنصورة سنة 1873 - ولم يكن، حتى، نائب قنصل! - أنه في ظرف شهر واحد حرر نيفا و1700 رقيق، ولولا أن ضجة أرباب العائلات ارتفعت حتى تناولت عنان السماء، فأوجبت تداخل ذوي الشأن، لحرر ذلك المحترم كل أرقاء المديرية.
Unknown page