Misr Fi Thulthay Qarn
مصر في ثلثي قرن
Genres
هل كانت أمة ضعيفة فبقيت على ضعفها أبد الدهر؟ وهل كانت أمة قوية فسالمتها الأيام ثم كتبت لها عهدا أن تبقى على قوتها؟ إن شمس السماء تحدث أهل الأرض بمن كانوا أهل قوة وبأس فضربهم الزمن حتى أفناهم، وإن الأرض لتخبر أنها حملت آخرين كانوا من الضعف في درجة العدم، ثم استحال ضعفهم قوة فعزوا بعد ذلتهم، وحيوا بعد موتهم؟ وكيف نفتري الكذب على الله فيجري في بعض الخواطر أن الله خلق الضعف لباسا لصنف من أصناف البشر وخلق القوة تاجا لصنف آخر. وهذا لسان التاريخ يخبرنا أن القوة والضعف صفتان تداولتهما البشرية، ولا تزال تتداولهما بين أبنائها.
إن قيل إن هناك ميزانا يعرف به نصيب كل شعب من قوة الحياة فإنا نقول: إننا شعب رجحت به كفة الميزان، أليست القوة أثرا تتركه المواهب الإنسانية، وثمرة تخرجها خصائص الوطن المعين؟ فمن ذا الذي يقول إن المصريين لم ينالوا من تلك المواهب نصيبهم الأوفر، وإن وطنهم لم ينفرد من تلك الخصائص بأجلها وأطيبها؟ إن كانت الثروة إحدى وسائل القوة الباطشة؛ فإن مصر أوفر بلاد الله ثروة ومالا، وإن كان الذكاء والأنفة والماضي الحافل بالمجد بعض هذه الوسائل، فالمصري الذي طوق عنق أوربا بفضل المعلم على التلميذ، والذي أقام صرح مجده القديم بين كواكب السماء، والذي أقسم ألا يقبل هضما، ولا يحمل ضيما، هذا المصري القوي خليق أن ينشر سلطانه بقوته، إذا قيل: أين الجديرون بالقوة القادرون في حكم العدل على بسطة السلطان.
لسنا نصف شيئا من صياغة الخيال، بل نحن نصف الواقع الذي خرج من يد أهله، ونصف الحق الذي يجب أن يكون ويطلب ويرده أصحابه إلى أنفسهم، فإذا أحد وصفنا بالضعف فقد أراد بنا سوءا، وإذا أحد أراد أن يقنعنا بأننا ضعفاء فقد أغرانا بالجمود، وإذا نحن سمعنا ذلك وصدقناه، أو وصفنا به أمتنا، فقد وضعنا بأيدينا أغلال الهوان في أعناقنا، وإنما ينبغي أن نكون أنصار الحقيقة فيما تقضي به لنا، والحقيقة تقضي أننا شعب اختصه الله بأسباب القوة، فلا ينقصنا إلا أن نعتقد أننا أقوياء بما لدينا من تلك الأسباب، وألا نعطل أسباب قوتنا أو نتركها يقوى بها غيرنا؛ وإنا إذن لترانا في قوة الأحياء العاملين المرهوبين، ما دمنا نطلب ما طلبه الضعفاء من قبلنا.
يجب أن نقول بل نعتقد أننا أهل قوة، لننظر في أنفسنا فنعالج ما ينقصنا من القوة، ويجب أن نثق كل الثقة بأن لنا قوة روحية لا تهبط عن مثلها في أعظم الشعوب حياة، هنالك تدفعنا هذه القوة الروحية في طريقها فإذن نحن أقوياء من كل وجه.
Unknown page