305

Misr Fi Matlac Qarn Tasic Cashr

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

Genres

وكان من طرازه الشيخ علي بن موسى المعروف بابن النقيب (1125-1186/1713-1772)، وأخوه السيد بدر الدين، وقد درس الأول بالمشهد الحسيني واشتهر أمره وزاد صيته ... وكان ذا جود وسخاء وكرم ومروءة ووفاء، لا يدخل في يده شيء من متاع الدنيا، إلا وبذله لسائليه، وأغدق به على مبتغيه، وقد خلفه عند وفاته في إملاء درس الحديث النبوي بمسجد المشهد الحسيني، أخوه الذي أقبلت عليه الناس والأعيان، ومشى على قدم أخيه، وسار سيرا حسنا، وجرى على نسقه وطبيعته في مكارم الأخلاق وإطعام الطعام، وإكرام الضيفان، والتردد على الأعيان والأمراء؛ أي البكوات المماليك، والسعي في حوائج الناس، والتصدي لأهل حارته وخطته في دعاويهم، وفصل خصوماتهم وصلحهم، والذب عنهم، ومدافعة المعتدي عليهم، ولو من الأمراء والحكام في شكاويهم وتشاجرهم وقضاياهم، حتى صار مرجعا وملجأ لهم في أمورهم ومقاصدهم، وصار له وجاهة ومنزلة في قلوبهم، ويخشون جانبه وصولته عليهم.

واشتهر بالورع والزهد الشيخ علي بن أحمد الصعيدي العدوي المالكي (1112-1189 / 1700-1775)، عرف عنه أنه طالما كان يبيت بالجوع في مبدأ اشتغاله بالعلم، وكان لا يقدر على ثمن الورق، ومع ذلك إن وجد شيئا تصدق به، ولقد كان شديد الشكيمة في الدين، يصدع بالحق ويأمر بالمعروف وإقامة الشريعة ويحب الاجتهاد في طلب العلم، ويكره سفاسف الأمور، «وينهى عن شرب الدخان، ويمنع من شربه بحضرته وبحضرة أهل العلم تعظيما لهم، وإذا دخل إلى منزل من منازل الأمراء (البكوات المماليك) ورأى من يشرب الدخان شنع عليه وكسر آلته، ولو كانت في يد كبير الأمراء، وشاع عنه ذلك، وعرف في جميع الخاص والعام، وتركوه بحضرته، فكانوا عندما يرونه مقبلا من بعيد، نبه بعضهم بعضا ورفعوا شبكاتهم وأقصابهم وأخفوها عنه، وإن رأى شيئا منها أنكر عليهم ووبخهم وعنفهم وزجرهم»، وخشي البكوات جانبه، حتى إن علي بك الكبير في أيام إمارته كان إذا دخل عليه الشيخ في حاجة أو شفاعة، أخبروه قبل وصوله إلى مجلسه، فيرفع الشبك من يده، ويخفوه من وجهه وذلك مع عتوه وتجبره وتكبره.

واتفق أن الشيخ الصعيدي دخل على علي بك في بعض الأوقات «فتلقاه على عادته وقبل يده وجلس، فسكت الأمير مفكرا في أمر من الأمور، فظن الشيخ إعراضه عنه، فأخذته الحدة، وقال مخاطبا له باللغة الصعيدية: يامين، يامين، يا من هو غضبك ورضاك على حد سواء، بل غضبك خير من رضاك، وكرر ذلك، وقام قائما، وهو يأخذ بخاطره، ويقول: أنا لم أغضب من شيء، ويستعطفه، فلم يجبه، ولم يجلس ثانيا، وخرج ذاهبا، ثم سأل علي بك عن القصة التي أتى بسببها، فأخبروه، فأمر بقضائها.» واستمر الشيخ منقطعا عن الدخول إليه مدة، حتى ركب في ليلة من ليالي رمضان مع الشيخ نور الدين حسن الجبرتي، والد عبد الرحمن، «في حاجة عند بعض الأمراء، ومرا ببيت علي بك، فقال له نور الدين: أدخل بنا نسلم عليه، فقال: يا شيخنا أنا لا أدخل، فقال: لا بد من دخولك معي، فلم تسعه مخالفته، وانسر بذلك علي بك تلك الليلة سرورا كثيرا.» ولما مات علي بك، وصار الأمر لمحمد أبي الذهب، لقي الشيخ علي الصعيدي منه كل إجلال، فقد كان أبو الذهب «يجل من شأنه ويحبه ولا يرد شفاعته في شيء أبدا، وكل من تعسر عليه قضاء حاجة ذهب إلى الشيخ وأنهى إليه قصته، فيكتبها مع غيرها في قائمة، حتى تمتلئ الورقة، ثم يذهب إلى الأمير بعد يومين أو ثلاثة، فعندما يستقر في الجلوس، يخرج القائمة من جيبه، ويقص ما فيها من القصص والدعاوي، واحدة بعد واحدة، ويأمره بقضاء كل منها، والأمير لا يخالف ولا ينقبض خاطره في شيء من ذلك.

وفي أثناء ذلك يقول له: لا تضجر ولا تأسف على شيء يفوتك بغير حق في الدنيا، فإن الدنيا فانية، وكلنا نموت، ويوم القيامة يسألنا الرب عن تأخرنا عن نصحك، وها نحن قد نصحناك، وخرجنا من العهدة، وإذا تلكأ عليه في شيء صرخ عليه، وقال له: اتق النار وعذاب جهنم، ثم يمسك يده ويقول له: أنا خائف على هذه اليد الكويسة من النار، وأمثال ذلك.» وكان رأي الشيخ الجبرتي فيه أنه لم يخلف بعده مثله.

وكان من هذا الطراز نفسه، الشيخ أحمد بن محمد بن أبي حامد العدوي المالكي الأزهري الخلوتي الشهير بالدردير (1127-1201 / 1715-1787)، كان «يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويصدع بالحق، ولا يأخذه في الله لومة لائم، وله في السعي على الخير يد بيضاء»، كثر تدخله أيام حكم إبراهيم ومراد للانتصاف للشعب منهما، ولدفع ظلمهما وظلم عمالهما عنه، من ذلك ما فعله لوقف اعتداءات حسين بك شعت أو الشغت، بمعنى يهودي في مارس 1786، عندما نهب حسين بك دار أحد الأهلين بحي الحسينية، فثار هؤلاء «وحضروا إلى الجامع الأزهر، ومعهم طبول، والتف عليهم جماعة كثيرة من أوباش العامة والجعيدية وبأيديهم نبابيت ومساوق، وذهبوا إلى الشيخ الدردير، فونسهم وساعدهم بالكلام، وقال لهم أنا معكم، فخرجوا من نواحي الجامع، وقفلوا أبوابه، وصعد منهم طائفة على أعلى المنارات يصيحون ويضربون بالطبول، وانتشروا بالأسواق في حالة منكرة، وأغلقوا الحوانيت، وقال لهم الشيخ الدردير: في غد نجمع أهالي الأطراف والحارات وبولاق ومصر القديمة، وأركب معكم، وننهب بيوتهم كما ينهبون بيوتنا، ونموت شهداء أو ينصرنا الله عليهم.» فخشي المسئولون العاقبة وخافوا من تضاعف الحال، وتعهدوا بإحضار المنهوبات، ولو أن حسين الشغت لم يلبث أن أجاب - على سؤال إبراهيم بك «كلنا نهابون، أنت تنهب ومراد بك ينهب، وأنا أنهب ... وبردت القضية» - وللشيخ واقعة أخرى من هذا القبيل في طنطا أثناء أحد موالد سيدي أحمد البدوي، وقد عسف كاشف الغربية بالأهلين، فاشتكوه للشيخ الدردير، وكان هناك يقصد الزيارة، «فركب الشيخ بنفسه وتبعه جماعة كثيرة من العامة، فلما وصل إلى خيمة كتخدا الكاشف، دعاه فحضر إليه والشيخ راكب على بغلته، فكلمه ووبخه وقال له: «أنتم ما تخافون من الله»، وهجم على الكتخدا أحد الأهلين وضربه، فضرب خدام الكتخدا تابع الشيخ، وهاجت الناس على بعضهم، ووقع النهب في الخيم وفي البلد، ونهبت عدة دكاكين، وأسرع الشيخ في الرجوع إلى محله، وراق الحال بعد ذلك، وركب كاشف المنوفية - وهو من جماعة إبراهيم الكبير - وحضر إلى كاشف الغربية وأخذه وحضر به إلى الشيخ، وأخذوا بخاطره وصالحوه ونادوا بالأمان، وانقضى المولد ورجع الناس إلى أوطانهم وكذلك الشيخ الدردير. فلما استقر بمنزله حضر إليه إبراهيم بك الوالي، وأخذ بخاطره أيضا، وكذلك إبراهيم بك الكبير، وكتخدا الجاويشية.»

وللشيخ الدردير معاصر من العلماء، احتل مكانة سامية بعلمه وفضله هو الشيخ أبو الفيض السيد محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق الشهير بمرتضى الحسيني، الزبيدي الحنفي (1145-1205 / 1732-1791)، صنف عدة رحلات في انتقالاته في البلاد القبلية والبحرية، وأتم شرح القاموس في نحو أربعة عشر مجلدا سماه تاج العروس. اعتنى بشأنه إسماعيل كتخدا غربان ووالاه بره حتى راج أمره وترونق حاله، واشتهر ذكره عند الخاص والعام، ولبس الملابس الفاخرة وركب الخيول المسومة، وسافر إلى الصعيد ثلاث مرات، واجتمع بأكابره وأعيانه وعلمائه، وأكرمه شيخ العرب همام وإسماعيل أبو عبد الله، وأبو علي، وأولاد نصر وأولاد وافي، وهادوه وبروه، وكذلك ارتحل إلى الجهات البحرية، مثل دمياط ورشيد والمنصورة، وباقي البنادر العظيمة مرارا، حين كانت مزينة بأهلها، عامرة بأكابرها، وأكرمه الجميع، واجتمع بأكابر النواحي وأرباب العلم والسلوك، وتلقى عنهم، وأجازوه وأجازهم. شهد بفضله وسعة اطلاعه ورسوخه في علم اللغة ، الشيخ علي الصعيدي، والشيخ أحمد الدردير والشيخ محمد وغيرهم كثيرون. ولما أنشأ محمد بك أبو الذهب جامعه المعروف بالقرب من الأزهر، وأوجد به خزانة للكتب، «أنهوا إليه شرح القاموس ... وعرفوه أنه إذا وضع بالخزانة كمل نظامها، وانفردت بذلك دون غيرها، ورغبوه في ذلك، فطلبه وعوض صاحبه عنه مائة ألف درهم فضة.» وعلا ذكر الشيخ مرتضى، وأقبل عليه الأشياخ والأعيان، وتحببوا إليه واستأنسوا به، وهادوه، وهو يظهر لهم الغنى والتعفف، ويعظهم، ويفيد بهم ... وحضر الشيخ عبد الرحمن الجبرتي مجالسه ودروسه وانجذب إليه بعض الأمراء الكبار، مثل مصطفى بك الإسكندراني وأيوب بك الدفتردار، فسعوا إلى منزله وترددوا لحضور مجالس دروسه، وواصلوه بالهدايا الجزيلة. ولما تولى محمد باشا عزت (1776-1778) رفع شأنه وأصعده إليه، وخلع عليه فروة سمور وأجزل له العطايا، ولما بلغ ما لا مزيد عليه من الشهرة وبعد الصيت وعظم القدر والجاه عند الخاص والعام، وكثرت عليه الوفود من سائر الأقطار، وأقبلت عليه الدنيا بحذافيرها من كل ناحية لزم داره، ورد الهدايا التي تأتيه من أكابر البكوات، ولما حضر القبطان حسن باشا لردع البكوات في عام 1786، لم يذهب إليه، بل حضر هو لزيارته، وخلع عليه فروة وهاداه وكانت شفاعة الشيخ عنده لا ترد، وإن أرسل هذا إليه إرسالية في شيء تلقاها بالقبول والإجلال وقبل الورقة قبل أن يقرأها ووضعها على رأسه، ونفذ ما فيها في الحال.

تلك إذا كانت صفات علماء ومشايخ ذلك العصر وسجاياهم: صلاح وتقوى، وزهد في الدنيا، وانكباب على العلم والدرس، يلوذ الناس بهم كي يتوسطوا لهم لدى الهيئة الحاكمة، ويشفعوا فيهم، ويردوا عنهم الظالم، أصحاب جرأة في الحق، يعظون الحكام ويرشدونهم إلى الطريق السوي، أو يغلظون لهم في القول، ويؤلبون عليهم الرعية، ويتوعدونهم بعذاب النار إذا سدروا في غوايتهم، نبه ذكرهم، وعلا شأنهم، وخافهم الجميع، وخطبوا ودهم، وتقربوا إليهم، ابتغاء كسب رضاهم، ولم يكن هؤلاء الذين ذكرت أسماؤهم هم المتحلين وحدهم بهذه الصفات، بل شاركهم في ذلك سائر زملائهم.

ولعل من الحوادث التي تظهر ما كان يتمتع به مشايخ وعلماء ذلك العصر من نفوذ عظيم على الأهلين وما كان لهم من مهابة عند البكوات المماليك، الذين كانوا يخشونهم، ويوسطونهم بدورهم لدى الشعب لعدم تحركه عليهم، والصفح عن جورهم وظلمهم؛ ما وقع عندما أوفدت الدولة القبطان حسن باشا لعقاب المماليك، واسترجاع سلطان الباب العالي في هذه الباشوية التي صارت نهبا بين طوائفهم، ومسرحا لفتنهم وخصوماتهم، فقد وسط البكوات المشايخ لدى القبطان حسن باشا الذي وصل أسطوله وجيشه إلى رشيد والإسكندرية في يوليو 1786، فأوفد منهم مراد بك وإبراهيم وفدا يتألف من المشايخ أحمد العروسي ومحمد الأمير ومحمد الحريري، وضموا إليهم جماعة من الأعيان، واتضح للعلماء عند مقابلتهم لحسن باشا أنه مصمم على إنهاء حكم مراد وإبراهيم، فأخبروا عند عودتهم من رشيد أنهم اجتمعوا على حسن باشا ثلاث مرات ... فقابلهم بالإجلال والتعظيم، وأن الشيخ العروسي قال له: «يا مولانا رعية مصر قوم ضعاف، وبيوت الأمراء مختلطة ببيوت الناس»، فقال: «لا تخشوا من شيء، فإن أول ما أوصاني مولانا السلطان أوصاني بالرعية ... ثم قال كيف ترضون أن يملككم مملوكان كافران، وترضونهم حكاما عليكم يسومونكم بالعذاب والظلم، ولماذا لم تجتمعوا عليهم وتخرجوهم من بيتكم؟» وطلب حسن باشا أن يكتب مكاتبة للرعية يقرأها المشايخ على الملأ في الأزهر، فاعتذر الشيخ العروسي، وعندما سلم حسن باشا مكاتبات إلى أحد أعضاء هذا الوفد من الأعيان أخفيت ولم يذع أمرها، وصار البكوات يتملقون المشايخ، وخشوا من قيام الرعية وراحوا يوسطون المشايخ لمنع قيامهم بالثورة عليهم، فانتهز إبراهيم بك حلول عيد الفطر المبارك، فزار الشيخ محمد البكري الصديقي شيخ سجادة السادة البكرية ونقيب السادة الأشراف آنئذ، «وعيد عليه»، ثم زار الشيخ العروسي والشيخ أحمد الدردير «وصار يحكي لهم وتصاغر في نفسه جدا وأوصاهم على المحافظة، وكف الرعية عن أمر يحدثونه، أو قومة أو حركة في مثل هذا الوقت»؛ وذلك لأنه كان يخاف ذلك جدا، وخصوصا لما أشيع أمر الفرمانات التي أرسلها حسن باشا للمشايخ، وأكابر العربان وغيرهم، يعلن إليهم الغرض من مجيئه، وهو دفع الظلم عن الأهلين ولإيقاع الانتقام من إبراهيم ومراد، وتسامع بها الناس.

ثم إن البكوات عندما عجز مراد عن وقف زحف القبطان حسن باشا على القاهرة، ما لبثوا (في 17 أغسطس 1786) أن «أرسلوا مكاتبة إلى المشايخ والوجاقات يتوسلون بهم في الصلح، وأنهم يتوبون ويعودون إلى الطاعة»؛ أي طاعة الباب العالي، فتوسط المشايخ لدى باشا مصر، محمد يكن، ولكن دون طائل، ودخل القبطان حسن باشا القاهرة في اليوم التالي، وفر مراد بك إلى الصعيد، واستقر البكوات في أسيوط، وتوسط المشايخ مرة أخرى لمنع حسن باشا من بيع نساء البكوات وأولادهم الذين بقوا في القاهرة، وكان المتوسطون في هذا المشايخ: السادات والدردير والعروسي والحريري، وقد استهدف الشيخ السادات لغضبه، لصرامة خطابه له؛ حيث أنشأ يقول: «إنا سررنا بقدومك إلى مصر لما ظنناه فيك من الإنصاف والعدل، وأن مولانا السلطان أرسلك إلى مصر لإقامة الشريعة ومنع الظلم، وهذا الفعل لا يجوز، ولا يحل بيع الأحرار وأمهات الأولاد، ونحو ذلك من الكلام.»

وعندما غادر حسن باشا البلاد في أكتوبر 1787، سعى البكوات الذين بالصعيد: مراد وإبراهيم وغيرهما للصلح والعودة إلى القاهرة، وطلبوا أن يقع هذا الصلح على أيدي المشايخ والعلماء، وأناس من كبار الوجاقات - أي الأعيان - فأوفد إليهم عابدين باشا الشريف، باشا مصر، الشيخ محمد الأمير وإسماعيل أفندي الخلوتي وآخرين في فبراير 1788، ولكن دون طائل؛ حيث كان إسماعيل بك الكبير يشغل منصب شيخ البلد، ويستأثر أخصام إبراهيم ومراد بالسلطة في القاهرة، وقد ظل الحال على ذلك حتى طوى الطاعون الذي حدث في بداية العام التالي، إسماعيل بك الكبير وعددا من كبار البكوات الآخرين بالقاهرة، فبعث مراد وإبراهيم بالسيد عمر أفندي مكرم الأسيوطي يحمل خطابا إلى شيخ البلد عثمان بك طبل (تابع إسماعيل بك)، وإلى المشايخ وللباشا، محمد باشا عزت سرا، في يونيو 1791، يطلبون الصلح، ويتعهدون بسلوك الطريق السوي المستقيم بضمانة المشايخ، وقالوا في رسائلهم: «نحن أولاد اليوم، وإن أسيادنا المشايخ يضمنون غائلتنا.» وكان رأي المشايخ الذي أفصح عنه الشيخ أحمد العروسي، إن كان التفاقم بينهم وبين البكوات الموجودين بالقاهرة، فالمشايخ مستعدون للترجي لهم عند هؤلاء، وإن كان ذلك بينهم وبين السلطان، فالأمر للباشا نائبه، ثم اتفق الرأي على كتابة جواب حاصله «أن الذي يطلب الصلح يقدم الرسالة بذلك قبل قدومه وهو بمكانه، وذكرتم أنكم تائبون، وقد تقدم منكم هذا القول مرارا، ولم نر له أثرا، فإن شرط التوبة رد المظالم، وأنتم لم تفعلوا ذلك، ولم ترسلوا ما عليكم من الميري في هذه المدة، فإن كان الأمر كذلك، فترجعوا إلى أماكنكم وترسلوا المال والغلال، ونرسل عرضحال إلى الدولة بالإذن لكم، فإن الأمراء الذين بمصر لم يدخلوها بسيفهم ولا بقوتهم، وإنما السلطان هو الذي أخرجكم وأدخلهم، وإذا حصل الرضا فلا مانع لكم من ذلك، فإننا الجميع تحت الأمر.» وقد وقع على هذا الخطاب المشايخ والباشا العثماني، وسلموه إلى السيد عمر مكرم، الذي ذهب به إلى البكوات في الصعيد في يونيو 1791.

Unknown page