Misr Fi Matlac Qarn Tasic Cashr
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Genres
بل إن الإمبراطور، في الوقت الذي بعث فيه وزير خارجيته بتعليماته الأخيرة إلى «دروفتي» في 30 يونيو 1810، طلب من وزير حربيته «كلارك دوق دي فيلتر»
Clarke, Duc de Feltre
في اليوم نفسه أن يبادر بإرسال أحد الضباط الكولونيل «بوتان»
Boutin
إلى الإسكندرية، وأن ينتحل الوزير بالاتفاق مع هذا الأخير عذرا يبرر به هذه الرحلة، وذلك حتى يفحص «بوتان» حالة الدفاع في المواقع الهامة في مصر والشام؛ في الإسكندرية ودمياط والصالحية، والعريش وغزا، ويافا وعكا، وغيرها، ويعد التقارير الوافية عن مقدار القوات التي بها، والتي توجد بمصر والشام جميعا، وطلب الإمبراطور أن تشتمل هذه التقارير على كل ما يمكن جمعه من معلومات عن الحالة المدنية والعسكرية في هذه البلاد.
وقد غضب نابليون لتأخر قيام «بوتان» بمهمته، فكتب إلى «كلارك» في 14 أكتوبر 1810 يقول: «إنه كان يعتقد أن ضابط سلاح المهندسين «بوتان» قد غادر إلى مصر والشام، ولا تعنيني التفصيلات، فليذهب إلى أوترنتو، أو إلى أنكونا، وليخف مهمته بالطريقة التي يشاؤها، ولكن الواجب تأديتها، وعليه أن يمضي الشتاء كله، ثم قسما من فصل الصيف المقبل في مصر والشام، بحيث يتمكن بعد ذلك من تقديم تقرير عن الأحوال العسكرية والسياسية في البلاد، وعليك أن توصيه بمشاهدة قلعة القاهرة، وقلعة الإسكندرية، ودمياط وعكا. وتشمل مهمته «زيارة» حلب ودمشق والإسكندرية، فأزل كل العقبات «التي قد تعترض قيامه بهذه المهمة»، ولا تتحدث إلي عنها بعد الآن.»
وقبل ذلك بيوم واحد، كان نابليون قد وافق على مشروع التعليمات المعدة لرسول آخر، هو السيد «نرسيا»
Nerciat ، أزمع إيفاده إلى مصر والشام، لزيارة عكا ويافا ورشيد والإسكندرية وقلعة القاهرة؛ «كي يدرس دراسة جيدة الموقف السياسي في مختلف الجهات في الشام ومصر». وتضمنت التعليمات المعطاة «نرسيا»، أن يقف على عدد الجنود في سوريا، ونوع العلاقات السائدة بين الحكام في مختلف جهاتها، ومعرفة المنافسات المنبعثة عن الحسد وخدمة المآرب الذاتية التي تنشر الانقسام والتفرقة بينهم، والوقوف على ميول الباشوات والبكوات نحو الباب العالي، وأثر هذه على حالة الدفاع عن الشام وتأمينها ضد الغزو. ثم وجب على «نرسيا» كذلك أن يفعل مثل هذا في مصر، ويقدم لحكومته ملاحظاته عن هذه الموضوعات جميعها، لا سيما فيما يتعلق برشيد والإسكندرية وقلعة القاهرة، فيتقصى في هذه الأماكن الأثر الذي بقي في ذهن أهلها عن حملة الفرنسيين السابقة (1798-1801)، مع معرفة الميول التي يحتفظ بها الزعماء والسكان نحو فرنسا، ونوع السلطة التي للباب العالي في مصر، وعدد الجند الذين يحتفظ بهم هناك، ومدى اعتماده (أي الباب العالي) على خضوع هذه الولاية العثمانية له.
وطلبت هذه التعليمات من «نرسيا» أن «يذكر دائما، للتغلب على الصعوبات التي قد تصادفه، وتحمل المشاق التي قد تنهكه أثناء تأدية مهمته، أنه إنما يقوم بهذه المهمة بوصفه أحد وكلاء أو عمال جلالة الإمبراطور في بلد لا يزال مليئا بكل «ذكريات» الأعمال العسكرية المجيدة، ويستأثر البت في مصيره باهتمام الإمبراطور بدرجة عظيمة.»
وعلى ذلك، فقد توجه «بوتان» و«نرسيا» في مهمتهما، فسلم «شامباني» جوازي سفر إلى «بوتان» في 16 نوفمبر 1810، أحدهما بوصفه مكلفا بمهمة لدى قناصل مصر والشام، والآخر بوصفه تاجرا رحالة، فوصل إلى الإسكندرية في آخر مايو 1811، وزوده «دروفتي» بالمعلومات التي يريدها. ولما كان «بوتان» قد أبلغه ولادة «ملك رومة» ووارث عرش «الإمبراطورية» الفرنسية، فقد أقيم احتفال كبير بالإسكندرية، ورتلت تسبيحة الشكر
Unknown page