Misr Fi Matlac Qarn Tasic Cashr

Muhammad Fuad Shukri d. 1392 AH
150

Misr Fi Matlac Qarn Tasic Cashr

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

Genres

ثم إنه ما لبث أن جد بعد حادث انقلاب 13 مايو ما جعل غضب «مسيت» ونقمته تتزايد على محمد علي، وذلك عندما صار هذا يفرض الإتاوات على المحميين البريطانيين في القاهرة ورشيد، وانتهز فرصة وجود القبطان عبد الله رامز باشا الذي حضر لإنهاء النزاع بين خورشيد ومحمد علي، فقدم إليه شكاواه من محمد علي، وكتب إلى «ستراتون» من الإسكندرية في 7 سبتمبر 1805 أن القبطان باشا قد أعطاه خطابا إلى محمد علي يطلب منه إطلاق سراح المحميين البريطانيين الذين قبض عليهم محمد علي في القاهرة لامتناعهم عن دفع الإتاوة المطلوبة منهم، ثم استطرد «مسيت» يقول: وليست هذه بالمرة الأولى التي يفرض فيها محمد علي مثل هذه الإتاوات على المحميين البريطانيين، فقد طلب في شهر يوليو الماضي من المحميين في رشيد خمسة وعشرين كيسا، ولكن «مسيت» استصدر أمرا من القبطان باشا إلى حاكم رشيد حتى لا يتعرض لهم بشيء، ولما كان محمد علي وقتئذ لم يستقر بعد في كرسي الولاية فقد امتنع عن مطالبتهم، وأما الآن فالموقف يختلف تماما؛ لأن خورشيد قد سلم القلعة، ولأن المماليك لا يحاصرون اليوم القاهرة، ولأنه لم يبق هناك منافس لمحمد علي، وليس لدى القبطان باشا من السلطة ما يدعو لوجوب إطاعته، ثم شكا «مسيت» إلى «ستراتون» كذلك بعد ثلاثة أيام فحسب من رسالته السابقة إليه، من أن محمد علي يسيء معاملة الأوروبيين في القاهرة ورشيد ودمياط، ولا يستثني من هذه المعاملة السيئة سوى الفرنسيين الذين يظهر نحوهم عطفا خاصا، آية ذلك أنه عين سيئ السمعة الفرنسي «روير»

Royer

طبيبا خاصا له وهو الطبيب الذي قال عنه «مسيت»: إنه أعطى السم لمرضى الجنود الفرنسيين في مستشفى يافا أثناء حملة بونابرت المعروفة في سوريا.

وأفصح «مسيت» عن آرائه في محمد علي في كتاب مطول بعث به إلى اللورد «كامدن» من الإسكندرية في 18 سبتمبر، ذكر فيه - الحوادث التي ذكرناها - إظهار محمد علي لميوله الودية نحو الفرنسيين واستثناءهم من المعاملة السيئة التي يلقاها على يده سائر الأوروبيين، وتعيينه للفرنسي «روير» طبيبا له، وهي أمور قال «مسيت»: إن محمد علي قد استرشد فيها جميعها بآراء وتوجيهات الوكيل الفرنسي، ثم تحدث «مسيت» عن الإجراءات التي اتخذها لمقاومة حكومة محمد علي، ومقاومة النفوذ الفرنسي تبعا لذلك، فقال: ولما كان (أي «مسيت») يخشى من أن يرى الإسكندرية تقع في يد محمد علي وهو رجل يؤيد - كما هو ظاهر - المصالح الفرنسية، فقد تحدث في هذه المسألة مع القبطان باشا الذي لا يزال موجودا بالإسكندرية ومع حاكم المدينة أمين أغا أو أمين قبطان الكريتلي، وقد جعلهما يعترفان بأن هذه المدينة سوف تتحول إلى صحراء قاحلة إذا وقعت في قبضة الأرنئود، ثم أخذ يشرح لهما بعد ذلك بإيجاز الخطوات الإجرامية التي رفع محمد علي بفضلها نفسه إلى منصب الولاية في مصر، وطفق يقيم لهما الأدلة والبراهين على أنه منذ أن استولى على هذا المنصب، قد أظهر نواياه في الاستقلال عن الباب العالي، ثم اختتم حديثه معهما بأن أوضح لهما أن واجب الولاء لحكومتهما يقتضيهما أن يمنعا الإسكندرية من محمد علي؛ حيث إنه طالما بقيت هذه خارجة عن سلطانه فإنه لا يكون متهورا بالدرجة التي تجعله يرفع راية العصيان ضد الباب العالي، وأما إذا سقطت الإسكندرية في يده فهو على العكس من ذلك سوف يتمكن من تحدي كل قوات الإمبراطورية العثمانية، ثم راح «مسيت» يقول: وقد اعترف قومندان الإسكندرية الذي هو في الوقت ذاته قومندان السفن التركية في هذا الموقع بصحة ما أبداه من ملاحظات، وأظهر استعداده لقبول أية خطة تعرض عليه تكون ذات نفع لتحقيق هذه الغاية، ولم يكتف «مسيت» بمسعاه لدى القبطان باشا وحاكم الإسكندرية، بل استمال إليه الشيخ محمد المسيري كبير العلماء في الثغر والذي يثق فيه الأهلون - كما قال «مسيت» - ثقة كبيرة لا حد لها، فأعلن الشيخ للقبطان باشا أنه إذا خوله هذا الأخير مقاومة الأرنئود استنفر الأهلين، وتزعمهم بنفسه لمنع الأرنئود من دخول الإسكندرية، ولكن القبطان باشا رفض إعطاء الشيخ المسيري التفويض المطلوب، وعزا «مسيت» ذلك إلى ما يناله القبطان من هدايا ثمينة من محمد علي وتوقعه الظفر بهدايا أخرى قبل رحيله من الإسكندرية، حتى صار لا يريد تكدير محمد علي بمنع جنده من الدخول إلى المدينة، مع اعترافه بأنهم لو دخلوها لترتب على ذلك نتائج سيئة تلحق الأذى بمصالح الباب العالي؛ وعلى ذلك، فقد اكتفى القبطان باشا بأن أكد للشيخ المسيري أنه قد كتب إلى القسطنطينية ليحصل منها على فرمان يعلن بقاء الإسكندرية تحت إشراف البحرية السلطانية المباشر؛ حيث إنها قاعدة بحرية، وأن تتألف حاميتها من الجنود والبحارة دون جنود الجيش، واعتقد «مسيت» أن هذا الحل الذي ذكره القبطان لا يعدو أن يكون وسيلة للمراوغة والتهرب؛ لأن القبطان يعرف جيدا أنه بمجرد مغادرته الإسكندرية سوف يستولي الأرنئود عليها، زد على ذلك أن «مسيت» يعرف أن القبطان باشا ينوي مبارحة الإسكندرية في بداية الشهر المقبل أي في وقت يستحيل فيه أن يكون قد وصله جواب الديوان العثماني على رسالته التي قال إنه بعث بها إلى القسطنطينية في 14 سبتمبر، وقد خلص «مسيت» من ذلك كله إلى النتيجة التي يخشاها ، وهي أنه سوف يكون بالإسكندرية في أقل من أسبوعين حامية من الأرنئود، لا شك في أن التعليمات التي سوف يكون رئيسها مزودا بها هي أن يتبع إرشادات الوكيل الفرنسي في كل مناسبة، ثم بنى «مسيت» على هذه النتيجة المطلب الذي استحوذ على لبه دائما وهو إرسال فرقاطة إنجليزية إلى الإسكندرية لحمايتها، وهي قوة وإن كانت لا تسد الحاجة إلا أنها تكفي لتخويف الحامية وتعزيز النفوذ البريطاني في مصر.

وفي 22 سبتمبر شكا «مسيت» مرة أخرى للسفير الإنجليزي بالقسطنطينية «أربثنوت» من محاولة محمد علي حمل القناصل على دعوة رعاياهم للاكتتاب بسلفة من تسعمائة كيس بضمانة الجمارك، وهو قرض امتنع عن المساهمة فيه بيت بريجز التجاري، كما قال «مسيت» إنه جعل محمد علي يشعر بعجزه عن إرغامه - بوصفه أحد القناصل - على دعوة الرعايا أو المحميين البريطانيين إلى الاكتتاب في هذا القرض، وتوقع أن يحذو سائر القناصل حذوه ما دام القبطان باشا لا يزال موجودا بالإسكندرية، ثم استطرد يقول: ولكنه من المنتظر إذا دخلت الإسكندرية في حوزة محمد علي أن يعمد هذا إلى معاملة الأوروبيين كما يشاء ويهوى، وعندئذ سوف يجد الفرنجة أن لا معدى لهم عن ترك مصر والرحيل عنها.

ثم إن «مسيت» لم يكتف بمقاومة حكومة محمد علي وتعطيل نشاطها، بل صار يشوه سمعته بكل ما لديه من وسائل، فكتب إلى السير «ألكسندر بول» في مالطة في 22 سبتمبر: أن الوجه البحري قد دان الآن لسلطان رجل يخلص الإخلاص كله لفرنسا ويدعوه أن يقتنع بضرورة إرسال فرقاطة إلى الإسكندرية، وأن يستخدم كل نفوذ له لدى إمارة البحر الإنجليزية للموافقة على ذلك، وشرع «مسيت» يبرر مطلبه هذا بما يفعله محمد علي مع الأوروبيين فقال: وسوف لا أحاول وصف الفظائع جميعها التي وقعت في هذه البلاد منذ أن تسلم محمد علي زمام الحكم، فقد صار السجن مثوى عديدين من كل الطبقات، ومن غير استثناء أولئك الذين تشملهم الحماية الأوروبية، وقد ضرب هؤلاء بالهراوات الغليظة (النبابيت) وعذبوا عذابا أليما لحملهم على كشف المخابئ التي أخفوا فيها أموالهم، حتى إن آباء كثيرين اضطروا تحت هذا الضغط إلى بيع أولادهم.

وقد يكون بسبب حاجته الملحة إلى المال، وعناد هؤلاء المحميين من بريطانيين وغيرهم وإصرارهم على الامتناع عن الدفع أن ألقى محمد علي بهؤلاء في السجون، ولكن أحدا من المعاصرين لم يذكر أن المحميين قد ضربوا بالنبابيت أو أنهم اضطروا إلى بيع أولادهم لتأدية مطالب الحكومة أو لدفع الإتاوات التي فرضها عليهم، ولو أن هذا لا ينفي وقوع اعتداءات معينة على هؤلاء في وقت كان لا يزال الباشا فيه عاجزا عن ردع الجند وكبح جماحهم، وتعرض أهل القاهرة حينذاك لأذاهم، ولا جدال في أن ما يكون قد لحق بالمحميين من أذى إنما حدث دون علم الباشا، بل إن «مسيت» عندما كتب إليه من الإسكندرية في 27 سبتمبر يحتج في غضب شديد على سوء المعاملة التي يلقاها المحميون، لم يذكر من صنوف التعذيب الذي تعرضوا له سوى الحبس والإهانة، والإجراءات أو الوسائل الشديدة التي اتخذت ضدهم، وقد استند في احتجاجه هذا على ما هنالك من قوانين وامتيازات مبرمة بين الباب العالي وإنجلترة، وما يسود من صداقة بين الدولتين، وأن الرعايا الإنجليز والمحميين البريطانيين في مصر ليسوا من أغنياء القوم، ثم إنه لم يفت «مسيت» وهو بمعرض هذا الاحتجاج بعد أن حمل الباشا مسئولية كل هذا أن يؤكد له أن أولئك الذين ينصحونه باتخاذ هذه الإجراءات الشديدة (ويعني بذلك الوكلاء الفرنسيين) ضد الأوروبيين لا يبغون سوى استمرار القلاقل والاضطرابات في مصر حتى يسهل عليهم تنفيذ مشروعاتهم العدوانية ضد هذه المقاطعة.

وظل «مسيت» يردد نغمة التعذيب هذه فذكر لأربثنوت في 29 سبتمبر أن إنجليزيين يدعوان «فرر»

Farrar

قد قبض عليهما الجنود المسلحون في أحد شوارع القاهرة يوم 17 سبتمبر وأساءوا معاملتهما، ثم هددهما أحد ضباط الباشا بالتعذيب إذا لم يدفعا فورا مبلغ 2500 قرش، ولم يطلق سراحهما إلا بعد أن دفعا هذا المبلغ، واحتج «مسيت» على هذا الحادث ولكن دون جدوى، بل إنه كان يشك كثيرا في استماع محمد علي لصوت العدالة أو استرشاده بمبادئ السياسة الحكيمة ؛ لأن الجند حوله لا يزالون يطلبون في صخب شديد مرتباتهم المتأخرة، ثم انتهى من ذلك إلى النتيجة التي سجلها في كل رسائله تقريبا، فقال: وهكذا لك أن تستخلص مما تقدم أنه طالما بقي محمد علي محتفظا بهذه المقاطعة من مقاطعات الإمبراطورية العثمانية فسوف يتعرض الأوروبيون عموما ورعايا صاحب الجلالة البريطانية خصوصا إلى شتى الإهانات بصورة دائمة؛ ولذلك أرجو أن ترى لماذا هو ضروري أن تستخدم نفوذك لدى الديوان العثماني لتحصل على نقله (أي محمد علي) وإبعاده من هذا المنصب أو الولاية.

Unknown page