Mirqat Mafatih
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح
Publisher
دار الفكر
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م
Publisher Location
بيروت - لبنان
سَوَاءٌ كَانَ وَاجِبًا قَبْلَ رَمَضَانَ أَمْ لَا (إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ قَالَ) أَيْ طَلْحَةُ (وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الزَّكَاةَ) هَذَا قَوْلُ الرَّاوِي، فَإِنَّهُ نَسِيَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَوِ الْتَبَسَ عَلَيْهِ فَقَالَ: ذَكَرَ الزَّكَاةَ، وَهَذَا يُؤْذِنُ بِأَنَّ مُرَاعَاةَ الْأَلْفَاظِ مُعْتَبَرَةٌ فِي الرِّوَايَةِ، فَإِذَا الْتُبِسَ عَلَيْهِ بَعْضُهَا يُشِيرُ فِي أَلْفَاظِهِ إِلَى مَا يُنْبِئُ عَنْهُ كَمَا فَعَلَ رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ (فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ فَقَالَ: لَا) قِيلَ: يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ بِشُرُوطِهَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ إِنْ أُرِيدَ بِهِ الْحُقُوقُ الْأَصْلِيَّةُ الْمُتَكَرِّرَةُ تَكْرَارَهَا، وَإِلَّا فَحُقُوقُ الْمَالِ كَثِيرَةٌ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَنَفَقَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَالْأُضْحِيَّةِ (إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ قَالَ) أَيْ طَلْحَةُ (فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ (يَقُولُ: وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا) أَيْ فِي الْإِبْلَاغِ أَوْ فِي نَفْسِ الْفَرِيضَةِ (وَلَا أَنْقُصُ عَنْهُ) أَيْ شَيْئًا، وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: لَا أَتَطَوَّعُ شَيْئًا، وَلَا أَنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ شَيْئًا (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَفْلَحَ الرَّجُلُ) أَيْ دَخَلَ فِي الْفَلَاحِ، وَالْمَعْنَى فَازَ وَظَفِرَ وَأَدْرَكَ بُغْيَتَهُ، وَهِيَ ضَرْبَانِ: دُنْيَوِيٌّ وَهُوَ الظَّفَرُ فَلَا يَطْلُبُ مَعَهُ الْحَيَاةَ وَالْأَسْبَابَ، وَأُخْرَوِيٌّ، وَهُوَ مَا يَحْصُلُ بِهِ النَّجَاةُ مِنَ الْعَذَابِ، وَالْفَوْزُ بِالثَّوَابِ. قَالُوا: وَلَا كَلِمَةَ أَجْمَعُ لِلْخَيْرَاتِ مِنْهُ، وَمِنْ ثَمَّ فُسِّرَ بِأَنَّهُ بَقَاءٌ بِلَا فَنَاءٌ، وَغِنًى بِلَا فَقْرٍ، وَعِزٌّ بِلَا ذُلٍّ، وَعِلْمٌ بِلَا جَهْلٍ. وَفِي رِوَايَةٍ: أَفْلَحَ وَاللَّهِ. وَفِي أُخْرَى صَحِيحَةٍ: بِلَا شَكٍّ، وَفِي رِوَايَةٍ: أَفْلَحَ وَأَبِيهِ، وَفِيهِ إِشْكَالٌ لِأَنَّهُ وَرَدَ: مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ، فَقِيلَ: إِنَّهُ قَبْلَ النَّهْيِ، وَقِيلَ: فِيهِ حَذْفٌ مُضَافٌ أَيْ وَرَبِّ أَبِيهِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ وَاللَّهِ، وَأَنَّ الْكَاتِبَ قَصَرَ اللَّامَيْنِ، وَقِيلَ: إِنَّ الْكَرَاهَةَ فِي غَيْرِ الشَّارِعِ كَمَا نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجْرٍ فَضَعَّفَ الْأَقْوَالَ الْمَذْكُورَةَ جَمِيعَهَا، وَحَمَلَ عَلَى أَنَّ هَذَا وَقَعَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، وَهُوَ فِي غَايَةٍ مِنَ الْبُعْدِ (إِنْ صَدَقَ): بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِهَا، أَيْ لِصِدْقِهِ، وَلَا إِشْكَالَ فِيهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ قِيلَ: إِنَّمَا حَكَمَ ﵊ بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ مُطْلَقًا فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُنَا عَلَّقَ الْفَلَاحَ بِصِدْقِهِ، وَالْحَالُ أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ الْحَدِيثَيْنِ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَالَ بِحُضُورِ الْأَعْرَابِيِّ لِئَلَّا يَغْتَرَّ فَيُشْكِلَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا ذَهَبَ قَالَ: مَنْ سَرَّهُ. . . إِلَخْ. وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ أَنْ يُطْلِعَهُ اللَّهُ عَلَى صِدْقِهِ، ثُمَّ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَكُونَ مُفْلِحًا؛ لِأَنَّ الْمُفْلِحَ هُوَ النَّاجِي مِنَ السَّخَطِ وَالْعَذَابِ، فَكُلُّ مُؤْمِنٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَلَيْسَ كُلُّ مُؤْمِنٍ مُفْلِحًا، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ - الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: ١ - ٢] الْآيَاتِ. وَقَالَ: ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ٢] الْآيَاتِ. ثُمَّ قَالَ: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: ٥] (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ): وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.
١٧ - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَالَ: «إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا أَتَوُا النَّبِيَّ ﷺ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " مَنِ الْقَوْمُ؟ أَوْ: مَنِ الْوَفْدُ؟ " قَالُوا: رَبِيعَةُ. قَالَ: " مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ - أَوْ: بِالْوَفْدِ - غَيْرَ خَزَايَا وَلَا نَدَامَى. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ أَنَّ نَأْتِيَكَ إِلَّا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ نُخْبِرُهُ مَنْ وَرَاءَنَا وَنَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ، وَسَأَلُوهُ عَنِ الْأَشْرِبَةِ فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ؛ أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ، قَالَ: (أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ؟) قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ (شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ) . وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنِ الْحَنْتَمِ، وَالدُّبَّاءِ، وَالنَّقِيرِ، وَالْمُزَفَّتِ، وَقَالَ: (احْفَظُوهُنَّ، وَأَخْبِرُوا بِهِنَّ مَنْ وَرَاءَكُمْ)» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ.
ــ
١٧ - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ): هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ابْنُ عَمِّ النَّبِيِّ ﷺ وَأُمُّهُ لُبَابَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ أُخْتُ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ وُلِدَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَتُوُفِّيَ النَّبِيُّ ﷺ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَقِيلَ: خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَقِيلَ: عَشْرٍ. كَانَ حَبْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَعَالِمَهَا، وَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ ﷺ بِالْحِكْمَةِ، وَالْفِقْهِ، وَالتَّأْوِيلِ، وَرَأَى جِبْرِيلَ ﵇ مَرَّتَيْنِ، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُقَرِّبُهُ وَيُشَاوِرُهُ بَيْنَ أَجِلَّةِ الصَّحَابَةُ، وَكُفَّ بَصَرُهُ فِي آخِرِ عُمْرِهِ، وَمَاتَ بِالطَّائِفِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ
1 / 87