Mirqāt al-Mafātīḥ sharḥ Mishkāt al-Maṣābīḥ
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح
Publisher
دار الفكر
Edition
الأولى
Publication Year
١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م
Publisher Location
بيروت - لبنان
وَمَفْهُومُهُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ هُوَ الْحَاءُ، وَأَمَّا الْجِيمُ فَإِنَّمَا هُوَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ، وَلِهَذَا أَطْبَقَتْ نُسَخُ الْمِشْكَاةِ عَلَى الْحَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (وَإِيَّاكُمْ وَالشِّعَابَ): بِالْكَسْرِ وَالنَّصْبِ مِنَ الشِّعْبِ، وَهُوَ الْوَادِي مَا اجْتَمَعَ مِنْهُ طَرَفٌ وَتَفَرَّقَ طَرَفٌ مِنْهُ، وَلِذَلِكَ قِيلَ: شَعَّبْتُ الشَّيْءَ إِذَا جَمَّعْتَهُ، وَشَعَّبْتُهُ إِذَا فَرَّقْتَهُ، وَالْمُرَادُ الْمُنْعَطَفَاتُ فِي الْأَوْدِيَةِ لِأَنَّهَا مَحَلُّ السِّبَاعِ وَالْهَوَامِّ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَالسُّرَّاقِ وَأَمَاكِنِ الْجِنِّ، وَلَمَّا فَرَغَ مِنَ التَّمْثِيلِ أَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ: وَإِيَّاكُمْ، وَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: (وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ): تَقْرِيرًا بَعْدَ تَقْرِيرٍ (وَالْعَامَّةٍ) أَيْ عَامَّةِ الْجَمَاعَةِ، يَعْنِي: عَلَيْكُمْ بِمُتَابَعَةِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، أَوْ عَلَيْكُمْ بِمُخَالَطَةِ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَإِيَّاكُمْ وَمُفَارَقَتَهُمْ وَالْعُزْلَةَ عَنْهُمْ وَاخْتِيَارَ الْجِبَالِ وَالشِّعَابِ الْبَعِيدَةِ عَنِ الْعُمْرَانِ، وَهَذَا أَظْهَرُ لِلَفْظِ التَّمْثِيلِ وَالْأَوَّلُ أَوْفَقُ لِمَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ) .
١٨٥ - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ.
ــ
١٨٥ - (وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا) أَيْ: وَلَوْ سَاعَةً، أَوْ وَلَوْ فِي قَلِيلٍ مِنَ الْأَحْكَامِ. قَالَ الْأَبْهَرِيُّ: مُفَارَقَةُ الْجَمَاعَةِ تَرْكُ السُّنَّةِ وَاتِّبَاعُ الْبِدْعَةِ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُفَارَقَةَ الْجَمَاعَةِ مُتَارَكَةُ إِجْمَاعِهِمْ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: (فَقَدْ خَلَعَ) أَيْ: نَزَعَ (رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ) أَيْ: ذِمَّتَهُ (مِنْ عُنُقِهِ): إِلَّا أَنْ يَحْمِلَ الْإِسْلَامُ عَلَى كَمَالِهِ، أَوِ الْمُرَادُ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّخْوِيفِ وَالتَّنْفِيرِ عَنْ هَذِهِ الْمُفَارَقَةِ وَالْمُخَالَفَةِ لِلْإِعْلَامِ بِأَنَّ الْمُدَاوَمَةَ عَلَى ذَلِكَ تُؤَدِّي إِلَى الْخَلْعِ الْحَقِيقِيِّ. قَالَ الطِّيبِيُّ: الرِّبْقَةُ: عُرْوَةٌ فِي حَبْلٍ تُجْعَلُ فِي عُنُقِ الْبَهِيمَةِ أَوْ يَدِهَا تَمْسِكُهَا، فَاسْتُعِيرَتْ لِانْقِيَادِ الرَّجُلِ وَاسْتِسْلَامِهِ لِأَحْكَامِ الشَّرْعِ وَخَلْعُهَا ارْتِدَادُهُ وَخُرُوجُهُ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ) .
١٨٦ - وَعَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ﵁ مُرْسَلًا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ» ". رَوَاهُ فِي (الْمُوَطَّأِ)
ــ
١٨٦ - (وَعَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ): ﵁ وَهُوَ الْإِمَامُ مَالِكٌ صَاحِبُ الْمَذْهَبِ (مُرْسَلًا): اعْلَمْ أَنَّ الْمُرْسَلَ هُوَ أَنْ يَقُولَ التَّابِعِيُّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، لَكِنَّ الْمَعْرُوفَ فِي الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ أَنَّ قَوْلَ مَنْ دُونَ التَّابِعِيِّ أَيْضًا يُسَمَّى مُرْسَلًا، وَبِهِ ذَهَبَ الْخَطِيبُ، لَكِنْ قَالَ: إِلَّا أَنَّ أَكْثَرَ مَا يُوصَفُ بِهِ رِوَايَةُ التَّابِعِيِّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ اهـ.
فَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى قَوْلِهِ ; فَإِنَّ الْإِمَامَ مَالِكًا مِنْ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ) أَيْ: شَيْئَيْنِ عَظِيمَيْنِ أَوْ حَكَمَيْنِ بِفَتْحِهِمَا (لَنْ تَضِلُّوا)؟ أَيْ: لَنْ تَقَعُوا فِي الضَّلَالَةِ (مَا تَمَسَّكْتُمْ) أَيْ: مُدَّةَ تَمَسُّكِكُمْ (بِهَا) أَيْ: بِالْأَمْرَيْنِ مَعًا (كِتَابَ اللَّهِ): أَيِ: الْقُرْآنَ (وَسُنَّةَ رَسُولِهِ) أَيْ: حَدِيثَ رَسُولِهِ، وَهُمَا مَنْصُوبَانِ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ، أَوْ بِتَقْدِيرِ أَعْنِي. وَقِيلَ: بِالرَّفْعِ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ بِتَقْدِيرِهِمَا، ثُمَّ فِي الْعُدُولِ عَنْ سُنَّتِي مُبَالَغَةٌ فِي زِيَادَةِ شَرَفِهِ وَالْحَثِّ عَلَى التَّمَسُّكِ بِسُنَّتِهِ بِذِكْرِهِ السَّبَبَ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ خِلَافَتُهُ عَنِ اللَّهِ وَقِيَامُهُ بِرِسَالَتِهِ، وَأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ لَيْسَ إِلَّا مِنْ تِلْكَ الرِّسَالَةِ لَا مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ.
1 / 269