232

Mirqāt al-Mafātīḥ sharḥ Mishkāt al-Maṣābīḥ

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح

Publisher

دار الفكر

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م

Publisher Location

بيروت - لبنان

وَالْخَفِيُّ، وَالْهُدَى وَسِيلَةٌ إِلَى الْعِلْمِ فَلِذَا قَدَّمَهُ، وَفِي الْعَوَارِفِ: الْعِلْمُ جُمْلَةً مَوْهِبَةٌ مِنَ اللَّهِ لِلْقُلُوبِ وَالْمَعْرِفَةُ تَمْيِيزُ تِلْكَ الْجُمْلَةِ، وَالْهُدَى وِجْدَانُ الْقُلُوبِ ذَلِكَ، وَقِيلَ: الْعِلْمُ صِفَةٌ تُوجِبُ تَمْيِيزًا لَا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ، وَعَطْفُهُ عَلَى الْهُدَى إِمَّا لِرُجُوعِهِ لِلنَّفْسِ وَرُجُوعِهَا لِلْغَيْرِ أَوْ لِأَنَّهَا لِلدَّلَالَةِ وَالْعِلْمِ الْمَدْلُولِ، أَوِ الْمُرَادُ مِنْهَا الطَّرِيقَةُ وَالْعَمَلُ، وَمِنْ ثَمَّ وَرَدَ: مَنِ ازْدَادَ عِلْمًا وَلَمْ يَزْدَدْ هُدًى - أَيْ قُرْبًا مِنَ اللَّهِ - لَمْ يَزْدَدْ مِنَ اللَّهِ إِلَّا بُعْدًا.
(كَمَثَلِ الْغَيْثِ)، أَيِ: الْمَطَرِ الْكَثِيرِ، وَاخْتَارَ اسْمَ الْغَيْثِ لِيُؤْذِنَ بِاضْطِرَارِ الْخَلْقِ إِلَيْهِ إِذْ جَاءَهُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ، وَالْغَيْثُ يُحْيِي الْبَلَدَ الْمَيِّتَ وَالْعِلْمُ يُحْيِي الْقَلْبَ الْمَيِّتَ (أَصَابَ أَرْضًا)، أَيْ: صَالِحَةً. وَالْجُمْلَةُ صِفَةٌ لِلْغَيْثِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ فِيهِ لِلْجِنْسِ أَوْ زَائِدَةً، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حَالًا (فَكَانَتْ مِنْهَا): أَيْ مِنْ تِلْكَ الْأَرْضِ (طَائِفَةٌ)، أَيْ: قِطْعَةٌ، وَمِنْهَا صِفَةُ طَائِفَةٍ قُدِّمَتْ عَلَيْهَا فَصَارَتْ حَالًا (طَيِّبَةٌ): أَيْ غَيْرُ خَبِيثَةٍ بِسِبَاخٍ وَنَحْوِهِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ كَذَا فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ، وَوَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ: فَكَانَتْ مِنْهَا نَقِيَّةٌ بِنُونٍ فَقَافٍ مَكْسُورَةٍ فَتَحْتِيَّةٍ مُشَدَّدَةٍ وَهِيَ بِمَعْنَى طَيِّبَةٍ اهـ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَرُوِيَ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَصِحُّ هُنَا اهـ. وَطَيِّبَةٌ مَرْفُوعَةٌ عَلَى أَنَّهَا صِفَةُ (طَائِفَةٌ)، وَقَوْلُهُ: (قَبِلَتِ الْمَاءَ)، أَيْ: دَخَلَ الْمَاءُ فِيهَا لِلِينِهَا مَنْصُوبَةٌ بِخَبَرِ كَانَتْ، وَقِيلَ: هِيَ مَنْصُوبَةٌ عَلَى أَنَّهَا خَبَرُ كَانَتْ، وَقَبِلَتِ الْمَاءَ صِفَةٌ لِطَيِّبَةٍ وَيَجْرِي هَذَا الْخِلَافُ فِي لَفْظِ: أَجَادِبَ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَرِوَايَةُ قِيلَتْ بِالتَّحْتِيَّةِ الْمُشَدَّدَةِ قِيلَ تَصْحِيفٌ، وَقِيلَ: صَحِيحَةٌ، وَمَعْنَاهُ شَرِبَتْ مِنَ الْقِيلِ وَهُوَ شُرْبُ بَعْضِ الْأَنْهَارِ (فَأَنْبَتَتِ الْكَلَأَ): بِالْهَمْزِ مَفْتُوحَتَيْنِ مَقْصُورًا (وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ): هُمَا مَعَ الْحَشِيشِ أَسْمَاءٌ لِلنَّبَاتِ، لَكِنَّ الْحَشِيشَ مُخْتَصٌّ بِالْيَابِسِ. وَالْعُشْبُ بِالضَّمِّ وَالْكَلَا مَقْصُورًا مُخْتَصَّانِ بِالرَّطْبِ، وَالْكَلَأُ بِالْهَمْزِ عَلَى زِنَةِ جَبَلٍ يَقَعُ عَلَى الْيَابِسِ وَالرَّطْبِ، فَالْكَلَأُ بِالْهَمْزِ أَنْسَبُ لِيَكُونَ عَطْفُ الْأَخَصِّ عَلَى الْأَعَمِّ لِلِاهْتِمَامِ بِشَأْنِهِ (وَكَانَتْ مِنْهَا): أَيْ مِنَ الْأَرْضِ الصَّالِحَةِ أَوْ مِنَ الْأَرْضِ الطَّيِّبَةِ (أَجَادِبُ): كَذَا فِي رِوَايَةِ الْجُمْهُورِ بِالْجِيمِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ جَمْعُ أَجْدَبَ وَهِيَ الْأَرْضُ الصُّلْبَةُ الَّتِي تُمْسِكُ الْمَاءَ مِنَ الْجَدْبِ وَهُوَ الْقَحْطُ، سَمَّاهَا أَجَادِبَ لِأَنَّهَا لِصَلَابَتِهَا لَا تَنْبُتُ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ: إِخَاذَاتٌ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْخَاءِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَآخِرُهُ مُثَنَّاةٌ مِنْ فَوْقُ قَبْلَهَا أَلِفٌ جَمْعُ إِخَاذَةٍ، وَهِيَ الْأَرْضُ الَّتِي تُمْسِكُ الْمَاءَ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَصَوَّبَهُ بَعْضُهُمْ، وَرُوِيَ أَجَاذِبُ بِجِيمٍ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَمَعْنَاهُ قَرِيبٌ مِنَ الْأَوَّلِ، وَفِيهِ رِوَايَاتٌ أُخَرُ مَرْدُودَةٌ (أَمْسَكَتْ)، أَيْ: تِلْكَ الْأَرْضُ، أَوِ الْأَجَادِبُ (الْمَاءَ، فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا): أَيْ بِالْأَجَادِبِ أَوْ بِتِلْكَ الْأَرْضِ (النَّاسَ، فَشَرِبُوا وَسَقَوْا)، أَيْ: دَوَابَّهُمْ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَيَجُوزُ أَسْقَوْا: قُلْتُ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَارِدٍ وَتَجْوِيزُ اللُّغَوِيِّ غَيْرُ مُرَادٍ (وَزَرَعُوا) . قَالَ النَّوَوِيُّ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ: وَرَعَوْا مِنَ الرَّعْيِ، وَوَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ زَرَعُوا وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ اهـ.
وَفِي جَمِيعِ نُسَخِ الْمِشْكَاةِ: زَرَعُوا مُوَافِقًا لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ وَهُوَ الْأَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ أَصْلًا. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَرَعَوْا مِنَ الرَّعْيِ، وَرِوَايَةُ: وَزَرَعُوا قِيلَ تَصْحِيفٌ، وَأُجِيبُ: بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ زَرَعُوا بِهِ غَيْرَ تِلْكَ الْأَرْضِ اهـ. وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ رَبْطٌ بَيْنَ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ رِوَايَةَ رَعَوْا تَشْوِيشُ النَّشْرِ لِأَنَّ الشُّرْبَ وَالسَّقْيَ لِلْقِسْمِ الثَّانِي، وَالرَّعْيَ لِلْقِسْمِ الْأَوَّلِ. قُلْتُ: لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْقِسْمُ الثَّانِي جَامِعًا لِلثَّلَاثِ مَعَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ الزَّرْعِ وُصُولُ الرَّعْيِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ أَهْلَ الْقِسْمِ الثَّانِي مَرْزُقُونَ مِنْ جَمِيعِ النِّعَمِ مُنْفِقُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ، فَهُمْ كَامِلُونَ مُكَمِّلُونَ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ)، بِخِلَافِ أَهْلِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَيَكُونُ التَّقْسِيمُ

1 / 234