Mirqāt al-Mafātīḥ sharḥ Mishkāt al-Maṣābīḥ
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح
Publisher
دار الفكر
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م
Publisher Location
بيروت - لبنان
١١٩ - وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ﵁، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: («خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ حِينَ خَلَقَهُ، فَضَرَبَ كَتِفَهُ الْيُمْنَى، فَأَخْرَجَ ذُرِّيَّةً بَيْضَاءَ كَأَنَّهُمُ الذَّرُّ، وَضَرَبَ كَتِفَهُ الْيُسْرَى فَأَخْرَجَ ذُرِّيَّةً سَوْدَاءَ كَأَنَّهُمُ الْحُمَمُ، فَقَالَ لِلَّذِي فِي يَمِينِهِ: إِلَى الْجَنَّةِ، وَلَا أُبَالِي، وَقَالَ لِلَّذِي فِي كَتِفهِ الْيُسْرَى: إِلَى النَّارِ، وَلَا أُبَالِي») . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
ــ
١١٩ - (وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءَ): ﵁ (عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: («خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ حِينَ خَلَقَهُ») قَالَ الطِّيبِيُّ: ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ (فَضَرَبَ): وَلَا يَمْنَعُ الْفَاءَ مِنَ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ ظَرْفٌ عَلَى أَنَّ الْفَاءَ السَّبَبِيَّةَ أَيْضًا غَيْرُ مَانِعَةٍ لِعَمَلِ مَا بَعْدَهَا فِيمَا قَبْلَهَا، فَإِنَّ ﴿لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ﴾ [قريش: ١] مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: (فَلْيَعْبُدُوا) عَلَى تَقْدِيرِ الشَّرْطِ؛ أَيْ: إِمَّا لَا فَلْيَعْبُدُوهُ كَذَا فِي " الْكَشَّافِ ".
تَقُولُ الْعَرَبُ: إِمَّا لَا أَيْ: إِنْ كُنْتَ لَا تَفْعَلُ غَيْرَهُ فَافْعَلْ هَذَا. قَالَ الْقَاضِي أَيْ: إِنْ لَمْ يَعْبُدُوهُ لِسَائِرِ نِعَمِهِ فَلْيَعْبُدُوهُ لِأَجْلِ إِيلَافِهِمْ. وَقَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا؛ لِقَوْلِهِ: خَلَقَ اللَّهُ، وَالْمَقْصُودُ الْإِشَارَةُ إِلَى عَدَمِ الْعِلْمِ بِزَمَانِ خَلْقِهِ، تَأَمَّلْ. اهـ.
وَقِيلَ: تَقْدِيمُ الظَّرْفِ مَعَ وُجُودِ التَّعْقِيبِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْإِخْرَاجَ لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ خَلْقِهِ ﵊، وَفِيهِ نَصٌّ؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ حَاصِلَةٌ، وَإِنْ تَأَخَّرَ الظَّرْفُ، بِقَوْلِهِ: فَضَرَبَ؛ قِيلَ أَمَرَ بِالضَّرْبِ فَضَرَبَ الْمَلَكُ (كَتِفَهُ الْيُمْنَى): بِفَتْحِ الْكَافِ، وَكَسْرِ التَّاءِ كَذَا مَضْبُوطٌ فِي النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ. وَفِي الْقَامُوسِ: كَتِفٌ كَفَرِحٌ وَمَثِلٌ وَجَبِلٌ، (فَأَخْرَجَ ذُرِّيَّةً بَيْضَاءَ) أَيْ: نُورَانِيَّةٌ (كَأَنَّهُمُ الذَّرُّ): فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ فَالتَّشْبِيهُ فِي الْهَيْئَةِ، وَقِيلَ: أَيِ: الْأَبْيَضُ بِدَلِيلِ مُقَابَلَةِ الْآتِي، وَفِي بَعْضِهَا بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، فَالتَّشْبِيهُ بِاعْتِبَارِ اللَّوْنِ وَالصَّفَاءِ، وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ بَيْنَ عَيْنَيْ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ وَبِيصًا حَتَّى يَحْتَاجَ إِلَى أَنْ يُحْتَمَلَ عَلَى تَكْرَارِ الْإِخْرَاجِ عَلَى صِفَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ كَمَا صَنَعَهُ ابْنُ حَجَرٍ. (وَضَرَبَ كَتِفَهُ الْيُسْرَى فَأَخْرَجَ ذُرِّيَّةً سَوْدَاءَ) أَيْ: ظَلْمَانِيَّةٌ (كَأَنَّهُمُ الْحُمَمُ): بِضَمِّ الْحَاءِ، جَمْعُ حُمَمَةٍ، يُقَالُ: حَمِمْتُ الْجَمْرَةُ كَفَرِحْتُ، تَحَمُّ بِالْفَتْحِ إِذَا صَارَتْ فَحْمًا (فَقَالَ لِلَّذِي فِي يَمِينِهِ) أَيْ: فِي جِهَةِ يَمِينِ آدَمَ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ إِخْرَاجِهِمْ مِنْ كَتِفِهِ الْيُمْنَى، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ أَيْ: لِلَّذِي فِي كَتِفِ الْيَمِينِ بِدَلِيلِ فِي كَتِفِهِ الْيُسْرَى الْآتِي فَيَكُونُ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ اهـ.
وَالْمَعْنَى يَعْنِي قَالَ تَعَالَى لِآدَمَ لِأَجْلِ الَّذِي فِي يَمِينِهِ، وَعَنْ قَبْلِهِمْ، وَفِي حَقِّهِمْ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ﴾ [الأحقاف: ١١]، وَالَّذِي صِفَةٌ لِفَرِيقٍ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كَالَّذِي خَاضُوا﴾ [التوبة: ٦٩]: (إِلَى الْجَنَّةِ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: هَؤُلَاءِ أُوصِلُهُمْ، أَوْ أُصَيِّرُهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ لِلْمُشَافَهَةِ، وَالتَّقْدِيرُ: أَنْتُمْ أُوصِلُكُمْ، أَوْ أُصَيِّرُكُمْ إِلَى الْجَنَّةِ، وَقَوْلُهُ (وَلَا أُبَالِي): حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمُسْتَكِنِّ، وَالْخَبَرِ؛ أَيْ: وَالْحَالُ أَنِّي لَا أُبَالِي بِأَحَدٍ، كَيْفَ وَأَنَا الْفَعَّالُ لِمَا أُرِيدُ، وَالْخَلْقُ كُلُّهُمْ لِي عَبِيدٌ، وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِهِ " وَإِنْ، «رَغِمَ أَنْفُ أَبِي ذَرٍّ» " فَإِنَّهُ تَعَالَى عَلِمَ أَنَّ بَعْضَ الْمُبْتَدِعَةِ يَقُولُ بِخِلَافِهِ فَرَدَّ عَلَيْهِمْ بِنَفْسِهِ مُبَالَغَةً فِي تَحْقِيرِهِمْ، وَتَسْفِيهِ عُقُولِهِمْ، وَأَنَّهُمْ كَالْهَبَاءِ الَّذِي لَا يُبَالِي أَحَدٌ بِهِ، وَإِنْ فَعَلَ مَا فَعَلَ. («وَقَالَ لِلَّذِي فِي كَفِّهِ الْيُسْرَى»): بِفَتْحِ الْكَافِ، وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ كَذَا فِي أَصْلِ
1 / 194