143

Mirqat Mafatih

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح

Publisher

دار الفكر

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م

Publisher Location

بيروت - لبنان

بِالتَّسَاؤُلِ حِكَايَةُ النَّفْسِ، وَحَدِيثُهَا، وَوَسْوَسَتُهَا، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنَ التَّفْلِ، وَالِاسْتِعَاذَةِ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ: (فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ فَقُولُوا اللَّهُ أَحَدٌ): يَعْنِي قُولُوا فِي رَدِّ هَذِهِ الْمَقَالَةِ، أَوِ الْوَسْوَسَةِ اللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ مَخْلُوقًا، بَلْ هُوَ أَحَدٌ، وَالْأَحَدُ هُوَ الَّذِي لَا ثَانِيَ لَهُ فِي الذَّاتِ، وَلَا فِي الصِّفَاتِ ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ [الإخلاص: ٢]: الْمَرْجِعُ فِي الْحَوَائِجِ الْمُسْتَغْنِي عَنْ كُلِّ أَحَدٍ ﴿لَمْ يَلِدْ﴾ [الإخلاص: ٣]، ﴿وَلَمْ يُولَدْ﴾ [الإخلاص: ٣]، ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ٤]: تَقَدَّمَ (ثُمَّ لْيَتْفُلْ): بِسُكُونِ اللَّامِ الْأُولَى، وَيُكْسَرُ، وَبِضَمِّ الْفَاءِ، وَيُكْسَرُ أَيْ: لِيَبْصُقْ أَحَدُكُمْ، أَوْ هَذَا الرَّجُلُ يَعْنِي الْمُوَسْوَسَ (عَنْ يَسَارِهِ): كَرَامَةً لِلْيَمِينِ، وَقِيلَ اللَّمَّةُ الشَّيْطَانِيَّةُ عَنْ يَسَارِ الْقَلْبِ، وَالرَّحْمَانِيَّةُ عَنْ يَمِينِهِ (ثَلَاثًا) أَيْ: لِيُلْقِ الْبُزَاقَ مِنَ الْفَمِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ كَرَاهَةِ الشَّيْءِ، وَالنُّفُورِ عَنْهُ كَمَنْ يَجِدُ جِيفَةً، وَالتَّكْرَارُ مُرَاغَمَةٌ لِلشَّيْطَانِ، وَتَبْعِيدٌ لَهُ لِيَنْفِرَ مِنْهُ، وَيَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يُطِيعُهُ فِيهِ، وَيَكْرَهُ الْكَلَامَ الْمَذْكُورَ مِنْهُ (وَلْيَسْتَعِذْ): ضُبِطَ بِالْوَجْهَيْنِ (بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ): وَالِاسْتِعَاذَةُ طَلَبُ الْمُعَاوَنَةِ عَلَى دَفْعِ الشَّيْطَانِ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَسَنَذْكُرُ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ): أَلَا لَا يَجْنِي جَانٍ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ (فِي بَابِ خُطْبَةِ يَوْمِ النَّحْرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) .
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
٧٦ - عَنْ أَنَسٍ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ («لَنْ يَبْرَحَ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ، حَتَّى يَقُولُوا: هَذَا اللَّهُ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ ﷿؟) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِمُسْلِمٍ (قَالَ: قَالَ اللَّهُ ﷿: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا يَزَالُونَ يَقُولُوا: مَا كَذَا؟ مَا كَذَا؟ حَتَّى يَقُولُوا: هَذَا اللَّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ ﷿» .؟ .
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
٧٦ - (عَنْ أَنَسٍ): ﵁ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (لَنْ يَبْرَحَ النَّاسُ) أَيْ: لَنْ يَزَالُوا، وَلَنْ يَنْقَطِعُوا، وَإِفَادَتُهُ الْإِثْبَاتَ؛ لِأَنَّهُ كَزَالَ يُفِيدُ مَعْنَى النَّفْيِ، وَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ نَفْيٌ آخَرُ أَثْبَتَهُ؛ لِأَنَّ نَفْيَ النَّفْيِ إِثْبَاتٌ (يَتَسَاءَلُونَ) أَيْ: مُتَسَائِلِينَ يَسْأَلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، أَوْ تُحَدِّثُهُمْ أَنْفُسُهُمْ بِالْوَسْوَسَةِ (حَتَّى يَقُولُوا هَذَا اللَّهُ): مُبْتَدَأٌ، وَخَبَرُهُ (خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ): اسْتِئْنَافٌ، أَوْ حَالٌ، وَقَدْ مُقَدَّرَةٌ، وَالْعَامِلُ مَعْنَى اسْمِ الْإِشَارَةِ، أَوْ هَذَا مُبْتَدَأٌ، وَاللَّهُ عَطْفُ بَيَانٍ، وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ خَبَرُهُ كَذَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ، وَالثَّانِي هُوَ الظَّاهِرُ (فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ ﷿: قَاسُوا الْقَدِيمَ عَلَى الْحَادِثِ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى مُحْدِثٍ، وَيَتَسَلْسَلُ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى خَالِقٍ قَدِيمٍ، وَاجِبِ الْوُجُودِ لِذَاتِهِ، وَمَحَلُّ تَحْقِيقِ هَذَا الْمَرَامِ كُتُبُ الْكَلَامِ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِمُسْلِمٍ قَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ ﷺ: (قَالَ اللَّهُ ﷿: فَيَكُونُ الْحَدِيثُ قُدْسِيًّا (وَإِنَّ أُمَّتَكَ) أَيْ: أُمَّةَ الدَّعْوَةِ، أَوْ بَعْضَ أُمَّةِ الْإِجَابَةِ بِطَرِيقِ الْجَهَالَةِ، أَوِ الْوَسْوَسَةِ مِنَ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ (لَا يَزَالُونَ يَقُولُونَ) أَيْ: بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، أَوْ فِي خَوَاطِرِهِمْ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِمْ (مَا كَذَا مَا كَذَا): كِنَايَةٌ عَنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَقِيلَ وَقَالَ؛ أَيْ: مَا شَأْنُهُ، وَمَنْ خَلَقَهُ (حَتَّى يَقُولُوا) أَيْ: حَتَّى يَتَجَاوَزُوا الْحَدَّ، وَيَنْتَهُوا إِلَى أَنْ يَقُولُوا: (هَذَا اللَّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ ﷿: وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْحَدِيثِ إِعْلَامُهُ تَعَالَى لِنَبِيَّهُ ﵊ مِمَّا سَيَقَعُ مِنْ أُمَّتِهِ لِيُحَذِّرَهُمْ مِنْهُ.

1 / 145