140

Mirqat Mafatih

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح

Publisher

دار الفكر

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م

Publisher Location

بيروت - لبنان

تَعَالَى: ﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ﴾ [النساء: ١٣٠]، وَلَكِنَّهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ قَدْ يَجُرُّ إِلَى الْمَفَاسِدِ يَصِيرُ مَذْمُومًا، وَيَحُثُّ عَلَيْهِ الشَّيَاطِينُ، وَيَفْرَحُ بِهِ كَبِيرُهُمْ، وَلِذَا قَالَ ﵊: " «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إِلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ») .
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ﴾ [البقرة: ١٠٢] (قَالَ): ﵊ (فَيُدْنِيهِ مِنْهُ) أَيْ: فَيُقَرِّبُ إِبْلِيسُ ذَلِكَ الْمُغْوِي مِنْ نَفْسِهِ مِنَ الْإِدْنَاءِ، وَهُوَ التَّقْرِيبُ (فَيَقُولُ): وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ، وَيَقُولُ أَيْ: إِبْلِيسُ لِلْمُغْوِي (نِعْمَ أَنْتَ) أَيْ: نِعْمَ الْوَلَدُ، أَوِ الْعَوْنُ أَنْتَ عَلَى أَنَّهُ فِعْلُ مَدْحٍ، وَفَاعِلُهُ مُضْمَرٌ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَقِيلَ: حَرْفُ إِيجَابٍ، وَأَنْتَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ: أَنْتَ صَنَعْتَ شَيْئًا عَظِيمًا، وَقَوْلُ ابْنِ الْمَلَكِ هُوَ الصَّوَابُ هُوَ الْخَطَأُ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلنُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الرِّوَايَةِ مَعَ احْتِيَاجِهِ إِلَى التَّكَلُّفِ، وَالتَّعَسُّفِ فِي تَوْجِيهِ صِحَّةِ الدِّرَايَةِ، (قَالَ الْأَعْمَشُ): وَهُوَ أَحَدُ رُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ (أُرَاهُ): بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ: أَظُنُّ أَبَا سُفْيَانَ طَلْحَةَ بْنَ نَافِعٍ الْمَكِّيَّ، وَهُوَ الرَّاوِي عَنْ جَابِرٍ كَذَا فِي الْأَزْهَارِ نَقَلَهُ السَّيِدُ جَمَالُ الدِّينِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: ضَمِيرُ الْفَاعِلِ لِلْأَعْمَشِ، وَضَمِيرُ الْمَفْعُولِ لِجَابِرٍ، وَقِيلَ: أَظُنُّ النَّبِيَّ ﵊، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ (قَالَ: فَيَلْتَزِمُهُ): فَإِنَّهُ إِمَّا عَطْفٌ عَلَى فَيُدْنِيهِ، أَوْ بَدَلٌ مِنْهُ كَذَا قِيلَ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى فَيَقُولُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَالْمَعْنَى فَيُعَانِقُهُ مِنْ غَايَةِ حُبِّهِ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُحِبُّ كَثْرَةِ الزِّنَا، وَغَلَبَةِ أَوْلَادِ الزِّنَا لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ، وَيَهْتِكُوا حُدُودَ الشَّرْعِ، وَمِنْ ثَمَّ وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَلَدُ زَانِيَةٍ) . رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ فِي سُنَنِهِ؛ لِأَنَّ وَلَدَ الزِّنَا يَعْسُرُ عَلَيْهِ اكْتِسَابُ الْفَضَائِلَ، وَيَتَيَسَّرُ لَهُ أَخْلَاقُ الرَّذَائِلَ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ): وَكَذَا أَحْمَدُ.
٧٢ - وَعَنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ مِنْ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنَّ التَّحْرِيشَ بَيْنَهُمْ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
٧٢ - (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ جَابِرٍ ﵁ (قَالَ: قَالَ رَسُولٌ اللَّهِ ﷺ: (إِنَّ الشَّيْطَانَ): يَحْتَمِلُ الْجِنْسَ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إِبْلِيسُ رَئِيسُهُمْ (وَقَدْ أَيِسَ) أَيْ: صَارَ مَحْرُومًا، وَيَئِسَ (وَمِنْ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ): اخْتَصَرَ الْقَاضِي كَلَامَ الشُّرَّاحِ، وَقَالَ: عِبَادَةُ الشَّيْطَانِ عِبَادَةُ الصَّنَمِ؛ لِأَنَّهُ الْآمِرُ بِهِ، وَالدَّاعِي إِلَيْهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ ﴿يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ﴾ [مريم: ٤٤] وَالْمُرَادُ بِالْمُصَلِّينَ الْمُؤْمِنُونَ كَمَا فِي قَوْلِهِ ﵊: " نَهَيْتُكُمْ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ ": سُمُّوا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ أَشْرَفُ الْأَعْمَالِ، وَأَظْهَرُ الْأَفْعَالِ الدَّالَةِ عَلَى الْإِيمَانِ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: أَيِسَ مِنْ أَنْ يَعُودَ أَحَدٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى عِبَادَةِ الصَّنَمِ، وَيَرْتَدَّ إِلَى شِرْكِهِ (فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ): وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ ارْتِدَادُ أَصْحَابِ مُسَيْلِمَةَ، وَمَانِعِي الزَّكَاةِ، وَغَيْرِهِمْ مِمَّنِ ارْتَدَوْا بَعْدَ النَّبِيِّ ﷺ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوا الصَّنَمَ اهـ.
وَفِيهِ أَنَّ دَعْوَةَ الشَّيْطَانِ عَامَّةٌ إِلَى أَنْوَاعِ الْكُفْرِ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِعِبَادَةِ الصَّنَمِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمُصَلِّينَ لَا يَجْمَعُونَ بَيْنَ الصَّلَاةِ، وَعِبَادَةِ الشَّيْطَانِ كَمَا فَعَلَتْهُ الْيَهُودُ، وَالنَّصَارَى، ثُمَّ الْجَزِيرَةُ هِيَ كُلُّ أَرْضٍ حَوْلَهَا الْمَاءُ، فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مُفَعْوِلَةٍ مِنْ جَزَرَ عَنْهَا الْمَاءُ أَيْ: ذَهَبَ، وَقَدِ اكْتَنَفَتْ تِلْكَ الْجَزِيرَةِ الْبِحَارُ، وَالْأَنْهَارُ كَبَحْرِ الْبَصْرَةِ، وَعُمَانَ وَعَدَنٍ إِلَى بِرْكَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّتِي أَهْلَكَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ بِهَا، وَبَحْرِ الشَّامِ، وَالنِّيلِ، وَدِجْلَةَ، وَالْفُرَاتِ أُضِيفَتْ إِلَى الْعَرَبِ لِأَنَّهَا مَسْكَنُهُمْ، وَنُقِلَ عَنِ الْإِمَامِ مَالِكٍ ﵁ أَنَّ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ مَكَّةُ، وَالْمَدِينَةُ، وَالْيَمَنُ قِيلَ إِنَّمَا خَصَّ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ لِأَنَّ الدِّينَ يَوْمَئِذٍ لَمْ يَتَعَدَّ عَنْهَا، وَقِيلَ لِأَنَّهَا مَعْدِنُ الْعِبَادَةِ، وَمَهْبِطُ الْوَحْيِ (وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ): خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: هُوَ فِي التَّحْرِيشِ، أَوْ ظَرْفٌ لِمُقَدَّرٍ أَيْ يَسْعَى فِي التَّحْرِيشِ (بَيْنَهُمْ) أَيْ: فِي إِغْرَاءِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَالتَّحْرِيضِ بِالشَّرِّ بَيْنَ

1 / 142