بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين الحمد لله الذي علم آدم الأسماء كلها عرضهم على الملائكة، والصلاة و السلام على من أوحى إليه بكتاب فيه تبيان كل شئ في ليلة مباركة، صلى الله عليه وآله الهادين أشرف من أشرق بهم شمس الهداية، فانكشفت ظلمات الظنون، و أفضل من يستضاء بنورهم في دياجي الشبهات الحالكة.

أما بعد، فيقول العبد الذليل، المحتاج إلى ربه العزيز علي بن موسى بن محمد شفيع الخراساني الآباء المتوطن في تبريز: إني لما تتبعت الكتب الرجالية التي وضعها علماؤنا السالفون في تحقيق حالاتهم وتراجمهم، وما ألفوا من الكتب والرسائل، و ما صنفوا في تحقيق مشكلات المسائل، رأيت كتبهم الشريفة، ورسائلهم المنيفة أكثر من أن يحصى وأوفر من أن يستقصى، ولكن أسماؤها لم تكن على ترتيب مخصوص، ولم يبالوا على نظم شتاتها بالخصوص، بل ذكروها تطفلا لترجمة مؤلفيها الثقات من غير أن يرتبوها ترتيب اللغات، حتى يكون مرجعا لمن سأل عن كتاب معلوم الاسم مجهول الصفة والرسم، إلا ما سمعت من وجود تأليف لبعض علماء الهند (*)

Page 15

في هذا المعنى، وقد ظفرت بنسخة منه أخيرا (1).

ومما نبهني على ذلك ما ألفه الحاج مصطفى بن عبد الله الإستنبولي (2)، وسماه كشف الظنون " (3)، إلا أنه خص كتابه ذلك بكتب أهل نحلته ومؤلفات أبناء مذهبه، إلا في مواضع يسيرة جاد بها قلمه وكتب قليلة أعانه على إيرادها علمه، و لم يخل في أكثر ذلك من الاشتباه كما ننبه عليه في محاله إن شاء الله.

فزاد ذلك عزمي وعزامى، وضاعف لهذا الشأن قعودي وقيامي، فتصفحت الكتب المؤلفة في هذا الفن، الكافلة لما أردناه من هذا الشأن مما سيأتي الإشارة إلى بعضها. فأخذت ما نسبوه إلى الأصحاب، وأضفت ما صادفته و وقفت عليه إلى ذلك الباب، جامعا لشتاتها وأضعالها مع أخواتها، غير مفتخر في

Page 16

ذلك ولا مدع بالإحاطة بجل مؤلفات الأصحاب فضلا عن كلها سيما المتأخرين و المعاصرين يحتاج إلى اطلاع تام، وبصيرة وافية، وكتب متعددة، ووسائط كافية، وأوقات فارغة، وأنى لمثلي القصير العديم الاطلاع ، صفر اليد والوطاب، خالي البيت عن سفر وكتاب؟ والحري لمدعى الإحاطة من جال الأرض وبلدانها، و جالس ذوي العلم من أعيانها، واختلط بأبناء الأدب، وفاز بخزانة الكتب، لا مثل القاصر الذي قد التزم كسر البيت وبات نديما ل‍ " سوف " و " لعل " و " ليت ". و من الله أستمد، وبمحمد وآله استنجد في بلوغ هذه الأمنية والإصابة لتلك الرمية، إنه سميع مجيب.

وسميته ب‍ " مرآة الكتب "، ورتبته على مقدمة ومقصدين، أما المقدمة ففيها فصول وخاتمة. (*)

Page 17

(الفصل الأول) اعلم أنه لم يكن من دأب عصر الصحابة تدوين الكتب، بل كانوا يمنعون من ذلك.

قال في " كشف الظنون " في الإشارة الثانية من الفصل الرابع من الباب الثاني:

اعلم أن الصحابة والتابعين لخلوص عقيدتهم ببركة صحبة النبي (ص) وقرب العهد إليه ولقلة الاختلاف والواقعات وتمكنهم من الرجوع إلى الثقات، كانوا مستغنين من تدوين علم الشرائع والاحكام، حتى إن بعضهم كره كتابة العلم، واستدل بما روي عن أبي سعيد الخدري أنه أستأذن النبي (صلى الله عليه وآله) في كتابة العلم، فلم يأذن له.

وروي عن عبد الله بن عباس أنه نهى عن الكتابة وقال: إنما ضل من ضل ممن كان قبلكم بالكتابة.

وجاء رجل إلى عبد الله بن عباس، فقال: إني كتبت كتابا أريد أن أعرض عليك، فلما عرضه عليه أخذ منه ومحاه بالماء. وقيل له: لماذا فعلت؟ قال: لانهم (*)

Page 18

إذا كتبوا اعتمدوا على الكتابة وتركوا الحفظ، فيعرض للكتاب عارض فيفوت علمهم - إلى آخر كلامه (1). إلا أنه بعد ذلك رجع إلى الحكم باستحباب التدوين و التأليف، بل بوجوبه لما انتشر الاسلام واتسعت الأمصار.

ثم ذكر في الإشارة الثالثة من ذلك الفصل اختلافهم في أول من صنف، فقال:

واعلم أنه قد اختلف في أول من صنف، فقيل: الامام عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح البصري، المتوفى سنة 155 خمس وخمسين ومائة (2)، وقيل: أبو النضر سعيد بن أبي عروبة، المتوفى سنة 156 ست وخمسين ومائة (3)، ذكرهما الخطيب البغدادي. وقيل: ربيع بن صبيح، المتوفى سنة 160 ستين ومائة (4)، قاله أبو محمد

Page 19