وضحك العجوز أيضا وقال: في كثير من الأحيان يخيل إلى المفكر المرهق أن أثمن ما في الوجود يتلخص في أكلة شهية وامرأة جميلة.
قهقهت المدام وقالت: برافو .. برافو.
وضحكت زهرة أيضا، فسمعت ضحكتها لأول مرة، فانجابت عني الهموم إلى حين. وأعقب ذلك دقائق صمت فتجلى صوت الهواء وهو يدوي في الخارج ويلطم الجدران فتصطك النوافذ المغلقة. وعاودني القلق والكآبة فقلت مخاطبا عامر وجدي: أن تؤمن وأن تعمل فهذا هو المثل الأعلى، ألا تؤمن فذاك طريق آخر اسمه الضياع، أن تؤمن وتعجز عن العمل فهذا هو الجحيم. - أجل، إنك لم تشهد سعد في شيخوخته وهو يتحدى النفي والموت.
نظرت إلى زهرة، المنفية الوحيدة، وهي تجلس مفعمة ثقة وأملا فغبطتها، بل حسدتها. •••
زرت درية بعد مضي أسبوع من الزيارة الأولى. استعاد مسكنها أناقته المعهودة، وتبدت هي في مظهر لا تعوزه العناية، ولكني قرأت في عينيها السقم. أجل، وحيدة وبلا عمل أو أمل، قلت لها: أرجو ألا تضايقك زياراتي.
فقالت بصوت لم أتبين فيه معنى: على الأقل فهي تشعرني بأنني ما زلت على قيد الحياة.
تقبض قلبي ألما. تخيلت الحال على حقيقتها الخشنة الجرداء. وددت أن أعرب عن عواطفي ولكن الماضي عقد لساني. واتفق رأينا على أن في العمل النجاة من السقم، ولكن كيف؟ إنها تحمل ليسانس آداب في اللغات القديمة ولكن ثمة عقبات لا يستهان بها. - لا تحبسي نفسك في البيت. - فكرت في ذلك، ولكني لم أتحرك بعد. - لو كان في الإمكان أن أزورك كل يوم.
ابتسمت. تفكرت. ثم قالت: يحسن أن نتقابل خارج البيت.
لم أرتح لقولها ولكني اقتنعت به فقلت: فكرة مقبولة.
وتم اللقاء الثالث في حديقة الحيوان. طالعني وجه الزمان الأول عدا نظرة العين. بجماله ورونقه وإن خلا من روح المرح والبهجة. وسرنا دقائق إلى جانب السور المطل على طريق الجامعة، طريق ذكريات مشتركة لا يمكن أن تنسى. وقالت: إنك تكلف نفسك ما لا يطاق. - أنت لا تدرين كم أني سعيد بذلك.
Unknown page