فإذا عرف هذا واعتقد، فينبغي له أن يأخذ في تعلم فنون العلم، ويأخذ من كل فن من فنون العلم ما يجتاح إليه، فيتعلم من فرائض المواريث، ومعرفة من يرث ومن لا يرث، وكيف القسم بين الورثة، ويتعلم لذلك معرفة الحساب، والضرب؛ لئلا يلتبس عليه قسم، ولا يأكل مالا حراما بخطأ ولا عمد ولا جهالة في ذلك، وربما حصل مع قوم لا علم لهم بذلك؛ فيأكلون الحرام، وهو بين ظهرانيهم؛ فلا يعذر هو ولا هم يأكل الحرام، والدخول فيما لا يحل، وقد قال النبي (صلي الله عليه وسلم): "تعلموا(1) فرائض المواريث، فإنه من دينكم".
ولابد له من تعليم شئ من النحو لإصلاح المنطق، وفهم تمييز معني الكلام، وألفاظ القرآن الكريم، ومعرفة لغة العرب؛ لأنه لا تحصل فائدة المعاني من غير معرفة الكلام؛ لأن القرآن العظيم نزل بلغة العرب.
وأما من لا يعرف لغة العرب؛ فلا يتوصل إلى معاني القرآن، وأما العلوم المبسوطة غير القرآن؛ فكل أهل لغة يعرفون علومهم بلغتهم، ويفهمون على معاني كلامهم.
وإن تيسر له فهم الشعر؛ فينبغي له أولا ألا يتعرى منه؛ لأنه دليل على فهم المعاني، وصحيح اللغة، واستخراج المعاني الجليلة والمناقب العالية.
وينبغي له أن يتعلم من على الحلال والحرام ما يحجزه عن الدخول في الآثام أو شئ من الشبهات يجهل منه؛ لأن الجاهل لا يعذر يجهله فيما يرتكبه مما لا يحل له ارتكابه من قول أو عمل، أو نية.
وينبغي له ألا يخلو نفسه من معرفة من يحل له تزويجه من النساء؛ لئلا يرتبك فرجا حراما يجهل منه من سبب نسب، أو رضاع، أو من قبل ما نكح آباؤه أو تسر من الإماء، ويتعلم من أمر الحيض والنفاس ما يجتنب به ما لا يحل من نسائه، أو إمائه في حين ذلك .
وينبغي له أن يتعلم ما يحل من البيوع، وما يحرم منها؛ لئلا يتناول شيئا من البيوع التي نهي الله ورسوله عنها، فيقع فيما لا يحل من حيث لا يدري، وهو غير معذور في جهله بذلك.
Page 43