سِرْدَابَ سَامَرَّا سَنَةَ سِتِّينَ، وَمِائَتَيْنِ، أَوْ نَحْوِهَا، وَلَمْ يُمَيِّزْ بَعْدُ (١)، بَلْ كَانَ عُمْرُهُ إِمَّا سَنَتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا (٢)، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَلَهُ الْآنَ - عَلَى قَوْلِهِمْ - أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ (٣) سَنَةً، وَلَمْ يُرَ لَهُ عَيْنٌ، وَلَا أَثَرٌ، وَلَا سُمِعَ لَهُ حِسٌّ، وَلَا خَبَرٌ.
فَلَيْسَ فِيهِمْ أَحَدٌ يَعْرِفُهُ لَا بِعَيْنِهِ، وَلَا صِفَتِهِ لَكِنْ يَقُولُونَ: إِنَّ هَذَا الشَّخْصَ الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ، وَلَمْ يُسْمَعْ لَهُ خَبَرٌ هُوَ إِمَامُ زَمَانِهِمْ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَيْسَ هُوَ مَعْرِفَةً بِالْإِمَامِ.
وَنَظِيرُ هَذَا أَنْ يَكُونَ لِرَجُلٍ قَرِيبٍ مِنْ بَنِي عَمِّهِ فِي الدُّنْيَا، وَلَا يَعْرِفُ شَيْئًا مِنْ أَحْوَالِهِ، فَهَذَا لَا يَعْرِفُ ابْنَ عَمِّهِ، وَكَذَلِكَ الْمَالُ الْمُلْتَقَطُ إِذَا عُرِفَ أَنَّ لَهُ مَالِكًا، وَلَمْ يُعْرَفْ عَيْنُهُ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا لِصَاحِبِ اللُّقَطَةِ (٤)، بَلْ هَذَا أَعْرَفُ؛ لِأَنَّ هَذَا (٥) يُمْكِنُ تَرْتِيبُ بَعْضِ أَحْكَامِ الْمُلْكِ، وَالنَّسَبُ [عَلَيْهِ] (٦)، وَأَمَّا الْمُنْتَظَرُ، فَلَا يُعْرَفُ لَهُ حَالٌ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْإِمَامَةِ.
فَإِنَّ مَعْرِفَةَ الْإِمَامِ الَّذِي يُخْرِجُ (٧) الْإِنْسَانَ مِنَ الْجَاهِلِيَّةِ هِيَ الْمَعْرِفَةُ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا طَاعَةٌ وَجَمَاعَةٌ، خِلَافَ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إِمَامٌ يَجْمَعُهُمْ، وَلَا جَمَاعَةٌ تَعْصِمُهُمْ، وَاللَّهُ (٨) تَعَالَى بَعَثَ مُحَمَّدًا ﷺ، وَهَدَاهُمْ بِهِ إِلَى الطَّاعَةِ، وَالْجَمَاعَةِ، وَهَذَا الْمُنْتَظَرُ لَا.