Kitāb Minhāj al-Muttaqīn fī ʿilm al-kalām (liʾl-Qurashī)
كتاب منهاج المتقين في علم الكلام(للقرشي)
Genres
والإضلال والإغواء هو التلبيس، فلا يصح أن يجامع التكليف. وبعد فلو كان الله أضلهم عن الهدى لما أمكن الاحتجاج عليهم بالكتب والرسل، ولكان لا معنى للترغيب والترهيب والوعد الوعيد والتوبيخ في نحو: {فما لهم لا يؤمنون فما لهم عن التذكرة معرضين}، و{ما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى}، ونحو ذلك.
وبعد، فالإضلال والإغواء الوارد على سبيل التلبيس إنما يصدر ممن يعجز عن المنع بالقهر كالشيطان.
وأما العقل فهو ما ثبت من أن الله تعالى عدل حكيم لا يكلف العباد ما لا يطيقون ولا يؤاخذهم بما لا يذنبون، وأن ذلك يؤدي إلى إبطال التكليف /232/ والكتب والرسل، ويرفع معنى الأمر والنهر ونحو ذلك، وبعد فكيف ينهى عن الإضلال والإغواء ويفعله والطارف من العقلاء ينزه نفسه من أن يفعل ما نهى عنه، ولهذا ولهذا قال شعيب عليه السلام: وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح. وقال تعالى: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم}، وفي الأخبار أنه نزل بقوم موسى بلاء، فسأل ربه عن سبب ذلك فقال: فيكم رجل نمام، فقال موسى: أخبرنا به يا رب لنقتله، فقال: كيف أعيب خصلة ثم أفعلها، وقال الشاعر:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله .... عار عليك إذا فعلت عظيم
وبالجملة فلو نسبت إلى بعض المخالفين مثل ذلك فقلت كل ضلال وفساد منك وأنت أغويت على عبيدي وأضللتهم عن الرشد لواثبك مواثبة مضطر إلى أنك نسبت إليه صفات النقص فكيف يضاف إلى أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين.
وأما السمع قلنا: فيه طريقان: إحداهما في أنه فعل هذا جميع الخلق وأرشدهم. والثانية: أنه لم يضل أحدا بالمعنى المختلف فيه.
Page 352